+ A
A -
منذ أفلام قديمة في السينما الهندية مثل: «سانجام» و«سوراج» و«ماسح الأحذية».. الخ، أكاد أجزم بأنني لم اشاهد فيلما هنديا من بدايته وحتى نهايته، فوقتئذ، في بواكير الشباب، لم تكن المناديل الورقية قد ظهرت بعد، ولهذا حينما كنت اذهب لمشاهدة فيلم هندي تعرضه دار سينما شهيرة بالقاهرة، كنت احمل معي اكثر من منديلين قماشيين، استعدادا لنوبات من البكاء تأثرا بأحداث الفيلم، الذي غالبا يستمر عرضه بضعة شهور، وذلك بعد ان أكون قد قرأت عنه في الصحف، ووقتئذ كانت معلوماتنا عن الهند شحيحة، رغم صداقة الزعيم الهندي الشهير جواهر لال نهرو للعرب، وخصوصا للزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
وبعدما تبينت تسبب هذه الافلام في البكاء والحزن والغم والهم قاطعتها وغيري، وصارت أي قصة محزنة نصادفها في الحياة نصفها بأنها فيلم هندي، ولهذا استمرت مقاطعتي للافلام الهندية عقودا من الزمن وحتى قبل بضعة شهور، اذ وجدتني أبحث عن فضائيات تبث افلاما هندية مترجمة، وجدتني شغوفا بها، فقد ارتقت السينما الهندية إلى موضوعات فلمية غير تلك التي كانت مغرقة في الحزن والهم، فصرت اتجنب الافلام التي فيها أكشن الضرب والمصارعة..الخ، واستمر في مشاهدة الروايات الانسانية العظيمة.
لا أعرف سر عودتي إلى الرومانسية الهندية بعد طول اعجاب بالافلام الأميركية والاوروبية، خاصة وأنني في هذه السن الطاعنة الذي يتتوج بنعمة العقل والعقلانية، ويتضاءل فيه الدور الذي كانت تؤديه الرومانسية في الصبا ومقتبل الشباب، ولكني استطيع أن اخمن سببا لعزوف يتنامى للافلام الأميركية والأوروبية التي يغلب عليها تناول موضوع نهاية العالم والكائنات الخرافية التي تصدر عنها أشعة قاتلة، والفضاء الموحش الذي يعج بهذه الكائنات غير الطيبة المظهر، ومشاهد الدمار المرعبة والأسلحة الذكية الفتاكة، ومناظر الحروب المتوحشة..الخ.
ربما لكل ذلك عدت إلى الافلام الهندية المسالمة، ومقاطعة سينما تغزونا بتشاؤمات نهاية العالم والحروب التي ستدمر دنيانا بعدما صارت مترعة بالاشرار والمتوحشين القادمين إلى ارضنا من حيث لا ندري.
ليس مخرجو السينما هم وحدهم الذين يهتمون بافلام تعرض الكيفية التي سينتهي بها العالم، بل يلاحظ ان كثيرا من شباب اليوم يسألون كثيرا في هذا الموضوع، ولا نعرف ان كان صناع السينما هم الذين وضعوا هذه الاسئلة في أفواه الشباب، أم أن طبائع عصر نعيشه تسببت في هذا التشابه بين ما يسيطر على كثيرين من صناع السينما وما يسأل عنه الشباب..؟!
انها سينما تصنع القلق في النفوس، وتغرس تشاؤمات نهاية العالم، وهو ما يتطلب الاستعانة بالطب النفسي في اعادة تبييض الذات من آثار الارتهان لافلام تسودها وتنتج تحت مسمى: «الخيال العلمي».
ما أراه من افلام هندية لم يتورط في هذا التوحش بعد، بل انها مازالت تعمل في حقل الانسانية مع رومانسية عاقلة، ولم تستحضر هذه الشخصيات الخرافية المتوحشة التي تهبط من الفضاء على الارض لتشيع الدمار الهائل.

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
17/07/2018
2801