+ A
A -
تَشْتَهِي الْمَلَذَّاتِ أنتَ، فتَشْتَهِيكَ الْمَذَلاَّتُ، وتَخُونُكَ الْمَلاَذَاتُ، ولا تَذْكُرُ في أي يَوْمٍ أسود رَمَتْ بِكَ ساعةُ القَدَر إلى دُنيا تُعْشَق ولا تَعْشَق..
في هذه الدنيا تَنْتَظِرُكَ كُؤوس وفُؤوس: كؤوس يَصُبُّها لكَ الأنذال والجُبَنَاء مِنْ طُلاَّب جهنم أولئك الذين لَنْ يَتَرَدَّدُوا في أنْ يَعصروا لك فيها شيئا مِنْ زَقُّومها وغِسْلِينها، وفؤوس تَتَهَيَّأُ لَكَ في صورة الحورية الراقصة رقصة الثعبان لِتُلْقِيَ عليك القبضَ عند باب الموت مهما تَرَاءَى لك بطيئا بطيئا..
الجُبَنَاءُ والأنذال لا دين لهم، لا مكان ولا زمان. كالحرباء هُمْ يَتَلَوَّنُون باللون المناسِب في الوقت المناسِب، ولا تَتَصَوَّرْ في يوم من الأيام أنْ يَكون لك عليهم سلطان..
إنهم الأنذال، الجُبْنُ عنوانُهم، وأَلْسِنَتُهم السَّليطةُ تلك مفتاحُهم إلى تَصْدِئَةِ القلوب. فأمَّا الأَلْسِنَة، فهي تَعضُّ شِفاهَ البراءة وتَجري مجرى النار في الحطب، وأما القلوب، فهي تَمْتَثِلُ لِلَسْعَةِ السِّيخ (السَّفُّود) الْمُلْتَهِب شَيّاً إلى أنْ تَذوب..
عقيدةُ الجبناء الأنذال تُرَتِّبُ لِطَرْدِكَ مِنْ جَنَّة الأرض لا جَنَّة الرحمان، ومهما بَذَلْتَ قصارى جُهدك يا إنسان، فإنك لَنْ تَسلم إلا متى الله شاءَ لكَ.
حِينَ يُوَقِّعُ اللِّئَام مَحَاضِرَ الشيطان، سيَتَضَاءَلُ حَجْمُك، وفي الْمُقابِل سيَكبر رأسُك ويَكبُر، يَشْرَئِبُّ قُبَالَةَ قدميكَ باحثا عن معنى لِوُجودِكَ في غير ما تَسمح به رُقعةُ العقل والْمَنْطِق، وبِالْمِثل تَشْرَئِبُّ الأُذنان الباحثتان معا عَن دَبيبِ نَفَسٍ يُقنِعُكَ بأنَّكَ مازِلْتَ حَيّاً يُرْزَقُ غير بعيد عن مَدار رَحى الزمن..
بَيْنَ الرغبة في الحياة تلك التي تَنكسرُ، والشهادة على الرفض ذاك الذي يَسْتَعِرُ، ستَقِفُ على الأرض وما أنتَ بِواقِف، تُنَاشِدُ اللَّيْلَ أن يَمْتَصَّ ضوءَ عينيك حتى لا يَصدمَكَ تَمَوْقُعُ نَفْسِكَ العارية في خريطة الإنسانية..
عندما تُصبِحُ مرفوضا سيُصَيِّرُكَ الآخرُ نَكِرَةً، ولنْ يَحتاج إلى أسباب تُذْكَر لِيُجَرِّعَكَ كأسَ الذُّلِّ دون أن يُمَهِّدَ لك الطريقَ لِتَفْتَحَ فمَكَ.. صَدِّقْ يا صديقي أنك لن تَفْتَحَ فَمَكَ إلا مَذهولا كما يَفغر المفزوعُ الخائفُ فاه..
ستقول: وما الذي يُخيفُ في الأمر؟!
لا شيء، لا شيء يا صديقي سِوى أنكَ لا تَعرف في أي صحراء قاحلة سيُلْقِي بِكَ قَدَرُكَ، ولا تَعرف إلى أيِّ مجهول تَقودكَ الخطوةُ الثَّمِلَةُ.. وأيّ ثَمَالَةٍ!
لَنْ أُحَدِّثَكَ عَنْ سَكرة الموت التي سَتَجْعَلُكَ تَرقص على حَبْلِها وأنتَ تُفْرِغُ في أحشائكَ كأسَ الذُّلّ.. لَكِنْ لِنَقُلْ إنها رقصة الموت التي ربما يَكون مِنْ غير العسير أن تُعيدَ إليكَ تَوازُنَ التفكير في أيّ شيء يَنْأَى عنْ فكرة الخلود التي ما أكثر أنْ تَتَوَهَّمَ أنَّ لكَ أنْ تُحَقِّقَها على أرض الواقع بِقَدْرِ ما تَسْتَعْبِدُكَ الدنيا..
نافِذَةُ الرُّوح:
«عِنْدَ رصيف الحُزن وَجَدُوا النَّكِرَةَ تَبكي، وَوَجَدُوا حِذاءَ الْمُمْكِن مُمَزَّقاً قُدَّامَها».
«تَسقط الشمسُ، فتُعْلِن السماءُ حالةَ الطوارئ تَحَسُّباً لإيقاظ القمر النائم».
«في قلبِ كُلِّ بيتٍ تُوجَدُ صرخةٌ تَحتاج إلى مارِدٍ لِيُخْرِجَها إلى مُدُنِ الضوء».
«البسمةُ العابرة للشفاه تَخوضُ إضرابا مفتوحا نِكايَةً في زمن القَهر المزدوج».
«ما أَحْلاكِ يا عُيون وأنتِ تَحرسين بُحَيْرَاتِكِ السوداء الفائضة تلك التي أَبَى فيها قلمُ الكُحل إلا أَنْ يَجدفَ بعيدا عن قِلاع القَسوة!».
«ما أَضْيَقَ سَراويل الحَظّ بِسِيقان الرغبة!».
«مَجامِر الحُبِّ المشتعِلَةُ بِكَ تُصَيِّرُ الْمُرِيدِينَ مُتَحَلِّقِينَ حَوْلِي، فَلا أَدْرِي مَنْ مِنَّا الشَّيخ، أَأنا أَمْ أنتَ؟!».
بقلم : سعاد درير
copy short url   نسخ
30/08/2018
3122