+ A
A -
قالوا: «لو كان الاستبداد رجلاً، وأراد أن ينتسب، لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وإبني الفقر، وإبنتي البطالة، ووطني الخراب، وعشيرتي الجهالة»، في النظم العسكرية والديكتاتورية دائمًا ما تسبق الأفعال الأقوال، القرارات وقتية فجائية وليدة لحظتها خاضعة لعاطفة الحاكم ورغباته وتتلاقى مع مصالح أتباعه وأهواء مؤيديه، فلا تفكير أو تخطيط حول تحقيق الاستقرار والسلم المجتمعي والرخاء للاستمرارية، بل على العكس يعتمد التخطيط والاستراتيجية الأساسية لتلك الأنظمة على ضرب الاستقرار وتمزيق النسيج المجتمعي ونشر الغلاء وقلة إنفاق الحكومة على حقوق ومتطلبات الشعب ويكون ذلك هو الأساس. ولكن ليتحقق كل هذا لا بد من عدو يتم توجيه اللوم إليه والتحجج بمحاربته والتجهيز وإعداد العدة والعتاد لمجابهته، حتى يكون هناك سبب يظنه الحاكم المستبد والذي دائمًا ما يكون مصابًا بالأنا وجنون العظمة كافيًا ومقنعًا لشعبه والذي لا يطلع عليه سوى مؤيديه ومريديه وأركان نظامه فقط، فهم شعبه لا غيرهم والبقية يتأرجحون بين خانتي الأعداء المؤكدين والمحتملين. في منطقتنا العربية برعت وتفننت أنظمة القمع والاستبداد في خلق الأعداء وصناعتهم للاستمرار في التسلط والحكم المنفرد، وأفضل مثال على هذا ما وقع في مصر بعد الانقلاب العسكري، حيث خلق السيسي عدواً كان محتملًا بتصريحه هو نفسه في 24 يوليو 2013 بُعَيد انقلابه على الرئيس محمد مرسي ليصبح عدواً مؤكداً، وقد بذل النظام الانقلابي قصارى جهده لإيجاده وتضخيمه، بل القيام بدوره في كثير من الأحيان لو دعت الحاجة لهذا، فلا بد للإرهاب أن يتواجد ويستمر ويتضخم وتزداد دمويته ووحشيته ويرتفع عدد ضحاياه وتتنوع فئاتهم ومكوناتهم الدينية والعرقية وأماكن استهدافهم في أعمالهم ودور عبادتهم، فهذا للنظام بمثابة عصا موسى التي ستبتلع كل مطالب الشعب المصري وتطلعاته، نحن في غمار حرب ضروس فاصمت وإلا فأنت من «أهل الشر» الذين لا يريدون دحر العدو «الإرهاب» فهو العائق الوحيد والسد الذي يحول بيننا وبين الرخاء والخير الوفير الذي يلوح في الأفق، وتصوره أذرع الانقلاب المختلفة على أنه قرب لدرجة تجعل المواطن يشعر بأنه يكاد يراه رأي العين ويلمسه بمخيلته، لكنه كان ويجب أن يبقى كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماءً فيظل يركض وراءه متحملًا الصعاب والمتاعب، وهو يُمَنِي النفس ببلوغه للارتواء، وكلما اقترب منه يبتعد لتبقى المسافة كما هي دون تغير، فلا الماء موجود ولا أنت بمدركه وواصل إليه. دوامة الإرهاب وطوفان الدم والعنف والعنف المضاد واللا منطقي والشرس من النظام هم طرفا معادلة لا بقاء لأحدهما دون الآخر، فلو انتهى الإرهاب أو انحسر فسيسقط النظام الذي سيفقد الحجة وورقة التوت التي يتغطى بها ويأخذها ذريعة للقتل خارج إطار القانون والاعتقال بالشبهة وسوق عشرات الأبرياء لأحبال المشانق، بتهم تبعث على السخرية والقهر في آن واحد، عبر نظام قضائي مسيس وموجه بشقيه المدني والعسكري والتصنيفات المبهمة والقضايا الملفقة وغير الواضحة المعالم، ضد أشخاص أبرياء تم إلقاء القبض على الكثيرين منهم والزج بهم في غياهب المعتقلات قبل وقوع أحداث تلك القضايا من الأصل، وتصوير كل من توجه إليه أصابع الشك قبل الاتهام على أنه عدو الشعب والدولة، بدون الإرهاب لا حاجة للقوانين الاستثنائية والإجراءات القمعية والأحكام العرفية ولسنا بحاجة لعقد الصفقات العسكرية وتكديس ترسانة أسلحة لا داعي لها ولا تستخدم أصلاً في مكافحة الإرهاب. { ( يتبع)
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
20/12/2018
1651