+ A
A -
حبشي رشدي
تفضيل العزوبية مرض اجتماعي أراه يتفشى في العالم، ولابد من الوقاية منه للذين لم يصابوا به بعد، ولابد من علاج الذين وقعوا في شباكه، والعزوبية ليست فقط مخاصمة فكرة الزواج وتنحيتها جانباً، ولكنها تعني أيضا الزواج على ورقة طلاق، أو الزواج الوهمي الذي يعيش فيه الزوجان حياة صورية يلفها صقيع ومقاطعة وحرب باردة بين الزوجين تنتهي أحياناً بحرب ساخنة. مؤسسة الزواج في معظم أصقاع العالم صارت في خطر، بدليل حجم ونوع القضايا الأسرية التي تنظرها المحاكم، وبدليل نوع وعدد الحوادث المنشورة في صفحات الحوادث بصحف كل دول العالم، وبدليل أن الشروخ والرضوض التي تصيب الحياة الزوجية صارت تحدث في حياة مشاهير الفن والرياضة والسياسة، وانتقال العدوى من الصفوة والنخب إلى العوام والبسطاء يتم دون إمكانية استخدام أي أمصال اجتماعية تحمي شرائح بعينها وتحول دون تفشي هدم فوضوي للحياة الزوجية. الاعتقاد الخاطئ بأن الزواج يسلب حرية كل من الطرفين هو اعتقاد مسؤول عن خيار العزوبية للكثيرين والكثيرات، كما أن شبح الطلاق الذي يتهدد نحو نصف حالات الزواج في عدد غير قليل من المجتمعات سبب آخر يجعل العزوبية خياراً مريحاً. ثمة من يقول إن النظر لكل من الزواج والعزوبية ذات علاقة وثيقة بالمرحلة العمرية للفرد، فتفضيل العزوبية له وقت، وتفضيل الزواج له وقت آخر، فالعزوبية مفضلة في سن الطيش والمراهقة وقبيل حلول النضوج، بينما لا يفضل الزواج إلا الذين تجاوزوا هذه المرحلة وصاروا في سن النضوج فعلاً، إذ يستشعرون حاجتهم للأبوة أو الأمومة، ويتوقون إلى شيء من الاستقرار والهدوء، ومن ثم تهفو قلوبهم إلى تشكيل أسرة والعيش في فيئها. وثمة من يرى أيضاً أن انهيار مؤسسة الزواج وتراجع الاهتمام بها أو بترميمها لو أصابتها خدوش يعزى إلى أننا صرنا نعيش عالماً اجتماعياً مادياً إلى حد كبير حيث تراجعت فيه الرومانسية بينما زحفت النزعة الواقعية البراغماتية على العقول. وهناك أيضاً من يفسر النزوع إلى العزوبية بمعطيات جديدة ترتبت على عمل المرأة، إذ أن تعليمها، و من ثم عملها أضعف حاجتها المادية إلى الرجل، ومن ثم تراجع تماما المثل القائل: «ظل رجل، ولا ظل حيط»، بعد أن صار هناك ظل «عمل المرأة» الوارف الظلال والذي يغنيها ويوفر لها الكثير مما تحتاج إليه، ويجنبها المهددات التي تترتب على زواج يهدده الطلاق طول الوقت. وعطفاً على ذلك ثمة من يرى أن العزوبية، بمثابة إعلان تمرد على المسؤوليات التي تفرضها الحياة الزوجية، أو الجمود الذهني لبعض الشباب من الجنسين، والذي يتحول إلى مصدر رهيب للمشاكل اليومية والاحتكاكات الخلافية التي تؤرق طرفي الحياة الزوجية، فلا التعليم أسهم في تفكيك جمود بعض الشباب، ولا المعطيات الاجتماعية أثمرت في حدوث تغيير في طرائق التفكير لدى البعض، إذ أن بعض الشباب، من الجنسين، لايزال يعيش في جلباب أبيه، وربما في جلباب جده.
copy short url   نسخ
25/12/2018
5003