+ A
A -
يعقوب العبيدلي

احتفلت العديد من المؤسسات الرسمية والخاصة في الداخل والخارج باليوم العالمي للغة العربية، والذي يصادف يوم الثامن عشر من شهر ديسمبر، وهو اليوم الذي حددته منظمة اليونسكو باعتبار «العربية» إحدى اللغات الرسمية للمنظمة، منذ أن سعت دولنا العربية إلى جعلها إحدى اللغات الرسمية
لليونسكو، لقد انطلقت عدة فعاليات تنوعت ما بين مسابقات وندوات واحتفاليات، وكلها تدور في سياق رعاية لغة الضاد والاهتمام بها ودعم التواصل والتعبير من خلالها، هذه الفعاليات ذكرتني بسنوات خلت عندما كنا نمارس مهنة التدريس في مدارس قطر ميدانياً، كنا ننفذ برامج مكثفة في مواضيع اللغة العربية ولمدة أسبوع عادة، وتكون متناغمة مع المنهاج التعليمي، وبالتعاون مع طاقم اللغة العربية الغاليين على قلبي أمثال الأساتذة والدكاترة الأفاضل حسن المخلف، ومحمد غدو، وعبدالرحيم العلي، وجميل يوسف، ومحمد شرّاب وغيرهم ويكون الأسبوع عادة زاخرا بالفعاليات والبرامج، التي تعزز مكانة اللغة العربية عند الطالب، ونطلعه على مواضيع وشخصيات لم يتطرق إليها بعد، كما نعد الطلبة لتوظيف مهاراتهم في التعبير الكتابي والشفوي، بالإضافة إلى تشجيعهم تقمص الشخصيات الأدبية وأبطال القصص المختلفة، ونشجعهم على كتابة المقالات المختلفة ونراجعها لهم ونشكرهم عليها وننشرها لهم مع صورهم وأسمائهم في الصحف في صفحات (الرأي الطلابي) والمنابر المختلفة. بالإضافة إلى المبارزات الصفية المختلفة في الشعر وترديد الأمثال.
وكان الطلاب يبدعون في عرض المواضيع التي حضرت مسبقا، ويقرؤونها في طابور الصباح، حيث يحضّر الطالب معلومات موجزة وقيمة عن أديب تحت إشراف معلمه، ناهيكم عن ورش العمل المختلفة (مبارزات شعرية، أمثال، كتابة قصة، تعليق على صورة، أوراق عمل شائقة لها صلة باللغة العربية)، وكانت الفعاليات تثير إعجاب الطلاب، وتشجعهم وتحفزهم نحو التعلق باللغة العربية وحضور المدرسة، كم أعجبتني كلمة الدكتورة حمدة حسن السليطي الأمين العام للجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم التي ألقتها بكلية أحمد بن محمد العسكرية من قريب وسط حشد من المثقفين والعسكريين والضباط حينما قالت إن لغتنا العربية تمثل خط الدفاع الأول للأمن القومي العربي، إذ أن الأمن اللغوي هو المقوم الأساس والرئيس لتحقيق الأمن الثقافي من خلال الحفاظ على التراث من جيل إلى جيل؛ فاللغة هي وعاء الثقافة والحضارة العربية، وهي القادرة على مواجهة التحديات الخارجية، والتصدي لأي غزو ثقافي. من هنا سعت اللجنة الوطنية القطرية للتربية والثقافة والعلوم منذ زمن بعيد إلى العمل على دعم وتعزيز نشر اللغة العربية والحفاظ عليها على المستوى العربي والدولي، وذلك بفضل علاقاتها المتميزة بالمنظمات الدولية العربية والإقليمية المعنية بالتربية والثقافة والعلوم من جهة، ومع مؤسسات الدولة ذات العلاقة من جهة أخرى، فقد شاركت اللجنة في تنظيم وإقامة العديد من الأنشطة والندوات وورش العمل والمسابقات والمشاريع الداعمة للغة العربية بالتعاون مع تلك المنظمات ومع المؤسسات الوطنية بالدولة.
وأضافت أن اللجنة نظمت من قريب بالتعاون مع المنظمة العربية (الألكسو) دورة تدريبية حول تجديد مناهج اللغة العربية وطرق تدريسها، وأقامت ورشة عمل حول أمن المعلومات مع المنظمة الإسلامية (الايسيسكو) ولعبت اللجنة دوراً تنويرياً في إثراء الفكر الثقافي والتربوي واللغوي من خلال مواصلة إصدارها لمجلة التربية منذ عام 1970م وحتى الآن، وحرصت دوماً على تنظيم ندوات ومحاضرات توعوية داخل المدارس القطرية المنتسبة لليونسكو؛ بهدف تعزيز اللغة العربية وحسن النطق بها لدى الطلبة.
فضلاً عن تعاون اللجنة البناء مع الجهات المعنية باللغة العربية في الدولة مثل وزارة التعليم والتعليم العالي، والمنظمة العالمية للنهوض باللغة العربية، وجائزة الشيخ فيصل بن قاسم للغة العربية، وغيرها من الجهات.
وشددت الدكتورة حمدة حسن السليطي في ختام كلمتها على أن لغتنا العربية تواجه تحديات كثيرة على المستويين الخارجي والداخلي، وتزداد هذه التحديات تفاقماً في ظلال العولمة الكونية، والتي يدور فيها الصراع بين الثقافات، وتسعى الدول الكبرى والمهيمنة إلى فرض لغتها انطلاقاً من إيمانها بأن اللغة هي السلاح الفعال في الاختراق النفسي.
ولكنها أردفت قائلة إن اللغة العربية ستظل بخير، فهي الأداة التي حملت تعاليم الإسلام إلى جميع ربوع الأرض.
كما أعجبتني كلمة سعادة اللواء الركن فهد الخيارين مدير كلية أحمد بن محمد العسكرية حينما قال إن اهتمامَنا باللغةِ العربيةِ وحرصنا عليها دفعنا لنُدَرِّسُها إجباريَّاً للمرشحين الضباطِ في كليتِنا ؛ وهذا يأتي انعكاساً وتنفيذاً لتوجيهاتِ قيادتِنا الرشيدةِ برعايةِ حضرةِ صاحبِ السموِّ الشيخِ تميم بن حمدٍ آل ثاني أمير البلادِ المفدى، إدراكاً من سموِّه لأهميةِ اللغةِ العربيةِ في إنجازِ التواصلِ والفهمِ والتصورِ، وصيانةِ الهويةِ القوميةِ والامتيازِ بها من الآخرين، وتمكينِ أداةِ التفكيرِ ومادتِه، وحفظِ ذاكرةِ التاريخِ ووعاءِ الحضارةِ والمعرفةِ.
وأوضح أننا نفعلُ ذلك وفاءً منا للغتِنا العربيةِ التي أسدتْ إلى الإنسانيةِ كلِّها خدماتٍ جليلةً يومَ أن حملتْ لواءَ العلمِ والمعرفةِ في القرونِ الوسطى؛ فلعبتْ دورَ الوسيطِ الذي حمى المعرفةَ من الضياعِ والتبددِ ؛ ممهدةً بذلك للنهضةِ الحضاريةِ الحديثةِ التي أخذتْ كثيراً من أصولِها العلميةِ والمعرفيةِ عن لغتِنا وحضارتِنا العربيتين، من هنا كانتْ لغتنا جديرةً بالاحتفاءِ والاحتفالِ مؤكدين قدرتَها الفائقةَ على النهوضِ مرةً أخرى، واستيعابِ منجزاتِ العصرِ في العلومِ كافةً، والإسهامِ الحضاريِّ في المسيرِ الإنسانيِّ المعاصرِ كما فعلتْ ذلك بكفاءةٍ عاليةٍ في سيرورةِ التاريخِ من قبلُ،
ومن باب العلم لا الجهل به نفيد القارئ الكريم أن «مهرجان الضاد» شرعت دولة قطر في تنظيمه عام 2016 ويشمل برامج ثقافية متنوعة موجهة للصغار والكبار، الهدف منه نشر الوعي بأهمية اللغة العربية في مختلف الأوساط، وتعزيز الهوية الوطنية والثقافة العربية، ويشارك فيه نخبة من الفنانين والمثقفين من مختلف الدول العربية، تحيا قطر، قيادة وشعباً، حرة عربية أبية، تعصى على من بغاها.
وعلى الخير والمحبة نلتقي
copy short url   نسخ
09/01/2019
2538