+ A
A -
ومرة أخرى حاول التملص من الملف المخزي والبشع لنظامه في مجال الحريات وحقوق الإنسان ووحشيته في التعامل مع المعارضين له خلف قناع ودعوى الاختلاف الخصوصية والظروف بين مصر والمنطقة عن أوروبا وأميركا، لأن المنطقة تعيش في ظروف مضطربة وكأن المواطن المصري أو العربي من الطبيعي أن يأتي في مرتبة أقل من نظرائه في الغرب وكأن نظامه الانقلابي وكفلاؤه في الشرق والغرب ليسوا هم من يقفون وراء تلك الاضطرابات والأزمات والانقلابات والحروب التي لو هدأت لسحقت شعوب المنطقة كل تلك الأنظمة السلطوية عن بكرة أبيها.
وساق حججه القديمة الجديدة بأن البديل عن نظامه وأشباهه من ديكتاتوريات المنطقة والتي خرجت ضدهم الشعوب في ثورات الربيع العربي هو الدولة الدينية- بعبع الغرب وفزاعته في آنٍ واحد- وتفاخر ضمنيًا بأنه يسعى وبقوة للإصلاح الديني حسب المنظور الغربي وبات حتى غير المؤمن له مكان في الدولة المصرية، ويبدو أن السيسي لم يكتف بالسطو على بعض ما جاء في برنامج الرئيس المنتخب محمد مرسي ونفذه ولكن بطريقة تخدم أهداف ومآرب من دعموا انقلابه، خاصةً السعودية والإمارات بل نسب لنظامه البدء في مسح طبي شامل لفيروس سي وهو المسح الذي بدأ فعليًا منذ عام 2006 وأخر الإحصائيات المتوفرة تشير إلى أن عدد المصابين يبلغ 20 % من نسبة السكان في 2014 أي 15 مليون مصاب وقتها ويصاب به 170 ألف شخص جديد كل عام وبتلك النتائج والمعطيات.
ورغم إعلان نظام السيسي نفسه علاج مليون ونصف مصاب مطلع 2018 ولو افترضنا صحة هذا الرقم فلا تزال مصر من ضمن أعلى دول العالم إصابة بالفيروس، ويستمر سيل الأرقام ليعلن السيسي عن تواجد أكثر من 45 ألف منظمة مجتمع مدني وهو التصريح الذي تكذبه تصريحات غادة والي وزيرة السيسي للتضامن الاجتماعي في وقت سابق العام الماضي أن عدد المنظمات والجمعيات النشطة هو 29 ألفاً فقط لا غير والكثير منها محدود الموارد وذا تأثير محدود.
في المحصلة وكالعادة مثل تلك اللقاءات ما هي إلا صفقات تجمع بين تاجر لديه بضاعة يريد بيعها ليضمن الحصول على الأموال لخزينة دولته لتساعده في تلبية مطالب الناخبين ومشتري سيقبل شراء البضاعة مهما كانت نوعيتها ولو كانت دولته وشعبه ليسوا في حاجة إليها لكن سيدفع مقابلها المليارات حتى لا يكون هناك داع أو حاجة لتواجد الناخبين في معادلة الحكم وبهذا يخرج الطرفان بما يسعون للحصول عليه، فلقاء السيسي-ماكرون قديم جديد، جنرال انقلابي يلتقي رئيس براغماتي، تتقدم الصفقات وتختفي كل القيم والأخلاق، السيسي لا يمثل مصر هذا مؤكد حتى لو اعترف العالم كله به ممثلًا لمصر وشعبها، لكن ماكرون يمثل فرنسا والغرب بكل تأكيد، تبقى المصالح ثم المصالح ولا شيء غيرها وما يمكن اقتناصه في مقابل التغاضي عن مدى شرعية الأنظمة الديكتاتورية على شاكلة نظام الجنرال الدموي في مصر هو المحرك الرئيسي لها أما الحريات وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها فليذهب كل هذا إلى الجحيم. الناخب الفرنسي والغربي بصفة عامة لا ينتخب الحكام لو ساندوا الحريات وحقوق الإنسان وتقرير المصير خارج الحدود وجاء هذا على حساب رفاهية ومستوى معيشة ودخول شعوبهم داخل بلدانهم، ماكرون هو الوجه الصحيح والمعبر عن الانتهازية والبراغماتية التي تمثلها أنظمة الحكم الغربية، تلك الانتهازية التي تلعب عليها وتستفيد منها الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة لتستمر في قمع وقهر شعوبها وهي معادلة مستمرة منذ عقود طويلة لكن نجح الربيع العربي في كشف الوجه القبيح والحقيقي لتلك المعادلة المجحفة وما تشكل من وعي يرتفع بالتدريج ويزعزع في طريقه أسسها وستسقط لا محالة عاجلًا أو آجلاً، التاريخ يقول هذا عبر صفحاته التي تمتلئ بقصص سقوط الأنظمة التي تعيش منعزلة عن شعوبها وضاربة بمطالبها وحقوقها عرض الحائط الذي سينهار حتمًا تحت ضربات القلوب التي تهفو إلى الحرية والاستقلال والخروج من تحت مظلة الاستبداد ومن يمنحونه أسباب البقاء.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
01/02/2019
1412