+ A
A -
شاءت إرادة المولى عز وجل أن تتحول أبوظبي عاصمة الإمارات من مركز للمؤامرات إلى مسرح للأفراح والمسرات، بعد أن سطّر نجوم منتخبنا الوطني لكرة القدم أجمل الانتصارات الكروية و«سطّر» كل المنتخبات الآسيوية ورفع الأدعم عاليا خفاقا، متحدياً عاصمة الحصار التي أغلقت أجواءها ومطارها وأرضها في وجوه القطريين، ولكنها نسيت مرماها مفتوحا ليستقبل أربعة أهداف عنابية بعدد الدول المحاصرة.. ويخرج من البطولة يجر أذيال الخيبة والفشل الفني والإعلامي والأخلاقي.
فتحولت البطولة إلى نقمة عليهم، ولم تفلح محاولاتهم واستفزازاتهم بداية بمنع مدير البطولة سعود المهندي والوفد الصحفي القطري من الدخول، ومرورا بسلوك جمهور «النعال» وختاماً بصحافة «البزران» التي تحاشت ذكر اسم قطر في تغطياتها، فهو أصبح يمثل لهم رعبا حقيقيا وكابوسا وفوبيا حتى لو كان مجرد كتابة بالحبر.
فالعنابي الذي شق طريقه نحو اللقب غير آبه بكل الظروف المحيطة، أثار الهلع والفزع في أبوظبي، لدرجة أن المسؤولين باتوا محرجين في مكاتبهم ومحاصرين في بيوتهم غير قادرين على المشاركة في ختام البطولة، التي تستضيفها بلادهم، مخالفين البروتوكولات الرياضية الدولية.. كل ذلك بسبب انتصارات العنابي الكاسحة.. حتى لا يصيبهم القهر والحزن، وهم يرون العنابي زعيم آسيا، رغم أنهم في دولة لديها وزارة للسعادة، لكنها عاجزة عن رسم الفرح على شعبها، كما أنها تدعي أنها دولة التسامح، بينما جمهورها يسيء لمنتخبنا بعبارات عنصرية، ويشجع كل الفرق الأخرى، فكان مثل النحس عليهم..
إنجاز فخم يتوج لعمل ضخم تحقق من خلال منتخب شاب، حاز الإعجاب، واستحق اللقب، ونشر الفرح في كل بيت عربي وآسيوي من أصحاب القلوب النظيفة والضمائر الحرة وعشّاق اللعبة الحلوة، كما رسم الحزن في أبوظبي وقلايصها في المنطقة.. مما يستدعي ضرورة الاستعانة بتركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه في السعودية لعمل برنامج مشترك لجمهور المنتخبين للخروج من هذه المحنة التي سببها لهما العنابي في هذه البطولة.. خاصة وإن (شيك توركي) خبير في حفلات الرقص وفاهم في مصارعة الثيران!
توج العنابي بالكأس بنتائج مذهلة وأرقام قياسية يصعب تحطيمها، واحتفل مع الجماهير العمانية الأصيلة في الملعب وفي صحار، قبل أن يعود إلى الدوحة من فوق الجزر الإماراتية المحتلة.. ومعه لقب البطولة الآسيوية!
ويقال إن دول الحصار أضافت نقطة جديدة لقائمة المطالب، وهي إعادة الكأس لأبوظبي.. بعد أن فشل «الكوتش» في الحفاظ عليها بكل الوسائل مع جملة بين قوسين (لماذا يا قطر ترسمين الحزن)؟
«الكأس في دار تميم المجد»
قالها صاحب السمو بعد الحصار مباشرة «أبشروا بالعز والخير» وتحولت هذه الكلمات لشعار يوم وطني وأيقونة للعمل والعطاء، فاستحضر الجميع اللقب المناسب للقطريين (مطوعين الصعايب) وتذكروا بيت المؤسس:
صبرنا لها ما زعزع الدهر عزمنا...
ونلنا بها العليا على كل طايل
وفي مطار الدوحة كان المشهد العظيم.. القائد والعضيد والشعب في استقبال أبطال المنتخب.
رسائل كثيرة وكبيرة تؤكد شموخ هذا الوطن وهيبته وحرص قيادته على ترسيخ مفاهيم الولاء والانتماء والعطاء والوفاء.
أرادوا محاصرة بلادي.. فحاصرتهم بإنجازاتها وأخلاقها.
أرادوا تقييد حركتنا وتقليص امكانياتنا فأطلقوا القوة الكامنة بداخلنا فظهرت قدراتنا وكفاءاتنا وكانت النتيجة:
تفوقنا سياسيا، وتطورنا اقتصاديا، وتألقنا رياضيا، ونجحنا إعلامياً، والأهم من كل ذلك كسبنا أخلاقياً.
يا له من حصار رائع !
«أمس حلم.. واليوم علم»
من أجمل اللحظات في الحياة أن تحلم بشيء، ثم تسعى لتحقيقه، ثم تبدأ فعلياً في تأسيسه، وتقوم على رعايته وتطويره، وتشاهده يكبر أمامك.. وكل ذلك بالعمل والسهر والصبر.. وتتحمل الضغط والنقد.. ولا تفقد الأمل.. وبعد سنوات تحصد ما زرعته وتجني ثمار جهدك وتعبك.
هذا مختصر لمشوار سمو الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي للأمير، مع أكاديمية التفوق الرياضي اسباير التي انطلقت قبل حوالي 15 عاما بشعار «اليوم حلم.. وغداً نجم» وانطلقت متحدية الظروف التي ولدت فيها، ومنها قلة الممارسين لكرة القدم، ولكن التحدي والإصرار يهزم المستحيل، لذلك لا غرابة أن ينجح هذا المشروع المتكامل (رياضياً وترفيهياً وطبياً وإعلامياً) فالقطريون يعلمون أن (أبو فهد) لا يرضى بأنصاف الحلول، ولا بمجرد النجاح، فهو يبدأ القياس من درجة التميز والإبداع والإبهار وصاعد.. ولنا في كتارا مثال آخر على الجمال الخلاب في الشكل والمضمون «درة اجتماعية ثقافية وبصمة قطرية».
واليوم الحلم صار علم وشعار اسباير بعد سنوات من العطاء تحول إلى «الحلم أصبح حقيقة».. وكل شيء ممكن تحقيقه، بالتخطيط والعمل والجهد لابد أن تظهر النتائج، والصبر مهم للوصول للهدف، خاصة في قطاع رياضي عاطفي لا يتحمل الانتظار بدون نتائج.
وقطر خططت منذ زمن لتأهيل وإعداد منتخبات وطنية ونجوم ومواهب في مختلف الألعاب من خلال أكاديمية اسباير، فوصل معتز برشم للقمة عالمياً في ألعاب القوى، وحصل منتخب كرة القدم على كأس آسيا، وأصبح المعز علي هداف القارة وأفضل لاعب فيها.. هذه رؤية وبعد نظر وخطط للمستقبل.
«بوخليفة.. عطاء بلا حدود»
اذا كان للعطاء حد وللصبر حدود، فإنه مع رئيس اتحاد الكرة الشيخ حمد بن خليفة بن أحمد آل ثاني ليس له قيود ولا لمت محدود، ويكفي أن نذكر أن هذا الرجل الخلوق تحمّل الشيء الكثير على مدار 14 سنة..
في سبيل الوصول لهذه اللحظة التاريخية، وهي فوز العنابي بكأس آسيا، فكان هذا هو التاج الناقص بعد أن فزنا بكؤوس الخليج ودوري آسيا والعرب والخليج وبطولات القارة للفئات السنية وذهبية الألعاب الآسيوية وحتى بطولة كأس العالم للكبار نعتبر تأهلنا لها رسمياً منذ نهاية مونديال 2018.
خلال هذه الفترة كان العمل ليل نهار.. والجهد البدني والذهني والضغط النفسي والعصبي لا يفارقه وتحمل الإعلام والجمهور برحابة صدره، وطيب رأسه، وكرم أخلاقه.
أنا سعيد جداً لهذا الرجل المتواضع الذي يخدم بلده ولا يدخر شيئا من جهده.. وبمثله نفتخر.
آخر نقطة
شهدت الدوحة وضواحيها في يوم نهائي كأس آسيا بروفة جماهيرية لأجواء مونديال 2022 واكتظت مناطق المشجعين في سوق واقف واسباير بالآلاف الذين تسمروا أمام الشاشات العملاقة وعاشوا لحظات مميزة وتاريخية أعادت للأذهان يوم إعلان فوز قطر بتنظيم المونديال يوم الثاني من ديسمبر 2010.. والعامل المشترك للمناسبتين أنه دبت الأفراح في نفوس العرب واعتبروه انتصارا لهم إلا الإمارات، فمازالت تحترق من الغيرة التي تحولت مع الزمن إلى حقد دفين يلتهب مع كل إنجاز قطري يتحقق، ولا تتورع من الوقوف مع الطرف الآخر لتشجيعه حتى وإن كان لا يشترك معها في دين أو لغة أو تاريخ أو جغرافيا أو مصير، سواء كان ذلك في منظمة عالمية كاليونسكو أو في مناسبة رياضية كبطولة آسيا..!
الإمارات وصلت لمرحلة من انفصام الشخصية إلى أنها تلعب بـ «الأقنعة» ولا يعرف لها وجه من قفا.. توزع ابتسامات صفراء وتذرف دموع التماسيح.. حسب المواقف والمصالح.
ورغم أنها مناسبة كروية لكنها فرصة للإمارات لتعرف مكانتها وشعبيتها لدى الشعوب العربية ويكفيها أن ترصد الفرحة والمسيرات التي خرجت في عواصم ومدن عربية تحتفل بفوز العنابي الساحق الماحق على منتخب الإمارات.. وعليها أن تسأل نفسها هذا السؤال العام: لماذا يكرهنا العرب ؟
فهو أهم بكثير من سؤال المحنك: لماذ ترسمين الحزن يا قطر ؟
فإذا عرفت الإجابة واقتنعت بها فلن يهرب «الكوتش» من المواجهة في المناسبات القادمة !
تعاملنا مع البطولة على أنها مباريات كرة قدم في المستطيل الأخضر وركزنا على ذلك فنياً وبدنياً ونفسياً وحققنا المطلوب وزيادة.. وأصبحنا الزعماء والسادة..
بينما هم نظروا لها على أنها «معركة» جيّشوا لها جمهور سلاحه «نعال» وإعلام يردح ويلطم وصحافة «أطفال»..
ونتيجة لذلك خسروا الأدب واللعب واللقب.
وسواء نظرتم لها على أنها مباراة أو معركة.. فهي ليست الهزيمة الأولى لكم على أرضكم وبين جمهوركم.. سواء في كرة القدم أو غيرها والتاريخ موجود ومحفوظ..
حتى وإن كانت الأرض أرضك..
فإن الزمان زماني
انتهت الرمسة!
copy short url   نسخ
04/02/2019
5483