+ A
A -
أثارت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر عاصفة من الانتقادات وردود الأفعال العنيفة، التي عبرت عنها أطياف سياسية ومدنية عديدة رأت فيها خرقاً صارحاً للمبادئ التي قامت عليها الجمهورية.
الزيارة التي استحوذت على اهتمام كبير من قبل الصحافة المحلية اعتبرت فرصة لتجميل الوجه القبيح للانقلاب العسكري ضد الشرعية هناك.
لكن ما أثار اهتمام الصحافة هنا هو التعاون المعلن بين فرنسا وجهاز القمع المصري الذي لم تتوقف عنه إمدادات الدعم من أجهزة وأسلحة ومعدات فرنسية ساهمت بشكل كبير في قمع المتظاهرين وفي ترهيب السكان هناك؛ فالتعاون العسكري المصري بلغ أوجه خلال فترة الانقلاب العسكري وليست زيارة الرئيس ماكرون إلا تتويجاً للزيارة التي قام بها وزير الاقتصاد والمالية هناك السيد برينو لومار قبله وأبرم فيها صفقة الرافال الجديدة.
ليست الزيارة في حقيقتها إلا صفقة جديدة من الصفقات التي تبرمها الأنظمة الاستبدادية العربية من أجل الحصول على الشرعية الدولية ومن أجل شراء الصمت الدولي عن المجازر المرتكبة؛ ففرنسا تعاني أزمة اقتصادية خانقة تجلت تداعياتها الاجتماعية في مظاهرات السترات الصفراء الأخيرة التي تندد بانهيار القدرة الشرائية وبالغلاء الفاحش، كما تشهد العلاقات الأوروبية تصدعات خطيرة في الآونة الأخيرة بعد تصريحات المسؤولين الإيطاليين حول الدور الفرنسي في تفقير القارة الأفريقية ومنع الاستقرار في ليبيا.
فرنسا اليوم في وضع دقيق جداً بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وسيطرة ألمانيا عليه بفضل اقتصادها القوي، وهو ما يدفع الحكومات الفرنسية المتعاقبة إلى إيجاد حلول خارجية تعتمد أساسا ًعلى الصفقات التجارية والعسكرية. لم تنجح فرنسا في بيع طائرة الرافال وتصديرها بسبب سعرها المرتفع مقارنة بأنواع أخرى من الطائرات الأميركية والروسية والبريطانية وهو ما دفعها إلى تقديم تنازلات كبيرة من أجل تصدير الطائرة فنجحت في بيعها إلى الهند وإلى دولة قطر وأخيراً مصر. مصر هي كذلك الدولة التي اقتنت من فرنسا الباخرتين الحربيتين اللتين رفضت روسيا شراءهما بعد توتر العلاقات مع فرنسا خلال السنوات الفارطة وبذلك تحولت مصر الفقيرة التي لا تجد ما تسد به رمق شعبها إلى سوق للأسلحة ولأدوات القمع الأوروبية والفرنسية تحديداً.
لكن الرأي العام الفرنسي لا يتفق مع دعم بلاده للانقلابات العسكرية في الدول النامية وهو يدرك أن دعم بلاده لنظام ذاهب إلى الزوال ستكون له نتائج كارثية على مستقبل علاقة بلادهم بالمنطقة العربية وشعوبها، وهو ما يوجب علينا التمييز بين الموقف الرسمي من النظام المصري وبين الموقف الشعبي المتناقض معه تماماً.
بقلم: محمد هنيد
copy short url   نسخ
07/02/2019
1555