+ A
A -
النقاط السابقة تشرح وباختصار الوضع المعقد في المنطقة العربية وعدم منطقية أو حتمية المفاضلة بين الجانبين، وتضخيم الخطر الإيراني والضغط لتحويل المنطقة برمتها في طريق التحالف مع الكيان الصهيوني ومناصبة إيران العداء وهذا ما حاولت الولايات المتحدة الأميركية التأكيد عليه في المؤتمر الأخير الذي تم عقده في العاصمة البولندية «وارسو» يومي 13 و14 فبراير الحالي وبحضور ممثلين عن 60 دولة والذي جاء إثر الفشل في تكوين حلف دولي يكون الهدف منه «مواجهة إيران» كان قد دعا إليه وزير الخارجية «مايك بومبيو» أثناء كلمته في الاحتفال المئوي للجامعة الأميركية في العاصمة المصرية «القاهرة» 10 يناير الماضي.
وأكد على وجوب تناسي الخلافات القديمة- يقصد الخلافات العربية مع الكيان الصهيوني- وضرورة تدشين تحالف عربي-إسرائيلي يقف ضد التمدد الإيراني في المنطقة، لكن فشل أميركا في الحشد له بين حلفائها الأوروبيين المتمسكين بالاتفاق النووي مع طهران رغم انسحاب الولايات المتحدة منه في مايو الماضي، لتضطر أميركا لعقد مؤتمر وارسو وتوسيع أجندته لتحوي الكثير من البنود والنقاط مثل عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، والأزمات الإنسانية في سوريا واليمن، والأمن السيبراني، والإرهاب والتطرف، وتطوير الصواريخ وانتشارها، والتهديدات التي تستهدف التجارة البحرية، وغيرها، لكن نتائجه جاءت هامشية لا قيمة لها فلا الحلف تم تدشينه ولا من استهدفت أميركا حضورهم وحشدهم قد حضروا بتمثيل مناسب، بل جاء حضورًا بروتوكوليًا أكثر منه فعليًا ونقصد هنا دول أوروبا الغربية، وبرزت بوضوح الخلافات الأميركية-الأوروبية واضحة خصوصًا في كلمة نائب الرئيس الأميركي «مايك بنس» والتي طالب فيها الدول الأوروبية بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وأدان فيها المبادرة الإنجليزية-الفرنسية والتي تسمح للشركات باستمرار العمل في ومع إيران رغم العقوبات الأميركية عليها، وأشار إليها كعامل سيقوي طهران من جهة ويضعف الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية وتبعد المسافة بين الولايات المتحدة وأوروبا من جهة ثالثة، وهو ما حاولت أميركا الإشارة إليه من حيث مقر انعقاد المؤتمر في وارسو البولندية وكأنها تلمح لنشوء واقع جديد في العلاقات الأميركية-الأوروبية عبر حلفاء جدد في القارة العجوز عوضًا عن الحلفاء التقليديين والذين أصابهم التململ من الهيمنة الأميركية ويحاولون الاستقلالية عنها في السياسة الخارجية وما يتبعها من مصالح وتحالفات.
لكن جاءت الصورة الختامية التي وضحت أن المؤتمر قد تحول إلى حفل كان نجمه الأبرز رئيس وزراء الصهيوني «نتانياهو» يتسابق للجلوس معه وحوله من جندتهم واستمالتهم أميركا لتمرير صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية، ومسرح يستعرض فيه نتانياهو قدراته على إخراج عرب التطبيع من الخفاء إلى العلن متفاخرًا ومصرحًا بدفء العلاقات مع دول مركزية في المنطقة العربية، والتلميح تارة والتأكيد تارة أخرى على وجود علاقات سرية مع دول خليجية والتي أصبحت واضحة للعيان وفي مقدمتها ويقود قطار التطبيع الثلاثي (الإمارات والسعودية والبحرين)، هذا التحالف الذي لا تهمه لا فلسطين ولا قضيتها ولا تشغله معاناة شعبها بل الأهم تأمين نفسه وتواجده وتمدده تحت العباءة الأميركية والمباركة الصهيونية ولا غضاضة لديه في فعل أي شيء من أجل هذا ولو جاء ببيع قضية الأشقاء في فلسطين وحصار قطر وتمزيق اليمن وذبح سوريا وتفتيت العراق وشرذمة ليبيا وغيرها، وفي المقابل تسعى الولايات المتحدة وبكل قوتها لتحويل الدفة تجاه العداء مع إيران ومحاولة تكوين حلف مناوئ لها في المنطقة بالتزامن مع تنفيذ صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية عبر قوى ودول إقليمية وتطمين من بدأت تساورهم المخاوف إثر الانسحاب الأميركي من سوريا وأفغانستان والتي تتواجد إيران بصورة قوية في الأولى وتشترك مع الثانية في حدودها، وفي خضم كل هذا تبقى الدول العربية مشتتة غارقة في خلافاتها وصراعاتها ومشاكلها الداخلية وبين بعضها البعض، لكن من المؤكد أن القضية الفلسطينية ستبقى هي القضية المركزية مهما عقدت التحالفات وحيكت المؤامرات وتعددت الوجهات والكيان الصهيوني هو العدو الأبرز مع عدم إغفال الطموح الإيراني في المنطقة، هذا الدرس تعيه الشعوب العربية جيدًا مهما حاول الغرب وحلفاؤه تغييب هذا عن الذاكرة ومحوه على أرض الواقع.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
22/02/2019
1492