+ A
A -
التغريبة العربية تستمر مع دخول حصار قطر عامه الثالث، دولة عربية مسلمة يتم حصارها من قِبَل عدة دول عربية أخرى -السعودية والإمارات وتابعيهما في مصر والبحرين- بل وكانت هناك نية لغزوها عسكريًا طمعًا في ثرواتها وبدافع الغيرة والحقد على نموذجها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وحين فشل هذا تتم مطالبتها بشروط لا يقبلها أي عقل، ويضرب حولها الحصار برًا وبحرًا وجوًا وعندما تقاوم هذا الحصار وتمتص صدمته وتمضي قدمًا بكل ما أتيح لها من وسائل مشروعة توجه لها الدعوة لحضور قمة عربية يتم الحشد عبرها ضد إيران التي قد تختلف معها في الكثير من الملفات ولكنها أصبحت عاملا مؤثرا في معادلة كسر الحصار من باب تبادل المصالح، تلك المعادلة التي أدارت قطر ملفاتها بامتياز وسجلت العديد من التقدم بما يشبه المعجزة -طبقًا للمعطيات والظروف التي فرضت عليها- في السياسة والاقتصاد والرياضة والثقافة وغيرها، ثم تأتي قمة خليجية لا تتناول في أجندتها حصار دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي، فأي منطق هذا؟.
التغريبة العربية تتعمق عندما تدخل الحرب على اليمن عامها الخامس دون أي بوادر في الأفق على نهايتها وعجز التحالف السعودي-الإماراتي على حسمها وبينما تزداد الكلفة المادية والبشرية ويتزامن معها التصاعد في قدرة الحوثي على تهديد العمق السعودي والإماراتي والمزيد من السيطرة في الداخل اليمني، التغريبة عندما تنطلق الطائرات والصواريخ العربية لقصف أراضٍ عربية وتشرد شعبها وتمزق أوصالها وتجعل سكانها العرب بين قتيل وجريح ومريض وجائع في كارثة متعددة الأوجه، وأصبح البلد الذي كان يلقب بالسعيد أكثر بلدان العالم تعاسة وبات المرض والدم والفقر والجوع أبرز معالمه التي أنفق على تشكيلها مئات المليارات من الدولارات من أموال وخزائن الشعوب العربية في السعودية والإمارات ولو أنفق جزء يسير منها في الاتجاه المعاكس لما اشتكى فقير ولا صرخ جائع ولا استنجد ضعيف وما دفع الشعب اليمني هذا الثمن الباهظ والمر فقط لأنه قام بثورة من أجل حقوقه وحريته.
وتستمر التغريبة العربية في الصراع العنيف الدائر في ليبيا والذي تمول أجندة طاغيته الجديد «حفتر» دول عربية -الإمارات والسعودية- والتآمر على أحلام الشعب السوداني الثائر الذي حيكت أطراف المؤامرة عليه في عواصم عربية بعينها لتنطلق بعدها القوى العسكرية إلى الشوارع لتستهدف الثوار السلميين في محاولة لاستنساخ تجربة الانقلاب العسكري في مصر وتمهيد الطريق لسيسي جديد في جنوب الوادي يكمل المخطط الذي بدأه السيسي في شماله في محاولة يائسة لإرجاع الأوضاع لما كانت عليه قبل انطلاق الموجة الأولى من الربيع العربي وما يثير الاستهجان والتعجب والاشمئزاز والغضب في الوقت نفسه أن تجد الأطراف الممولة والداعمة للتغريبة العربية هي نفسها التي تحمل لواء الثورة المضادة، هي بعينها التي تتبجح في الترويج والدعاية بأنها دول تسعى لنهضة الأمة وهي الأحق بالقيادة والبقاء في المقدمة، وصدقوا فهم في طليعة المؤامرات ورأس الحربة لمن يستهدفون الأمة وشعوبها.
لكن التغريبة في حد ذاتها قد تكون البداية، بداية أن تعرف الشعوب وتعلم علم اليقين من يقف في طريق أحلامها وتطلعاتها ويسلبها حقوقها ويستحوذ دون وجه حق على ثرواتها وينفقها في سبيل تقهقرها وتشرذمها، هم أرادها تغريبة تبعد الشعوب عن أوطانها وتلهيها عن أعدائها وخصومها، لكنها ستتحول إلى رحلة ومعركة في سبيل اكتشاف الذات ومكامن القوة ونقاط الضعف وأسبابه والمتسببين فيه، لأن الشعوب هي دومًا من تنتصر في النهاية التاريخ يقول هذا، هم بدؤوا التغريبة والشعوب هي من ستنهيها لا محالة مهما طال الزمن أو قصر.
copy short url   نسخ
08/06/2019
1491