+ A
A -
في مثل هذا اليوم من العام 1972م اغتالَ الموساد الإسرائيلي الأديب الثائر غسان كنفاني في بيروت! في ذلك اليوم وقفتْ غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل، لتُدلي بتصريح حول الحادثة، فقالتْ: اليوم تخلّصنا من لواءٍ فكريٍّ مُسلحٍ، فغسّان كان يُشكل خطراً على إسرائيل أكثر مما يُشكله ألف فدائي مسلّح!
يا لها من شهادة يا غسّان، يَكفي المرء شرفاً أن يكون كبيراً في عين أعدائه! أما أحبابه فلم ينتبهوا كم هو هام وخطير حتى أخبرهم الموساد بهذا!
لم يكُن في غسان شيء يُوحي بأنه خطير فعلاً، كان وسيماً كحيفا التي أراد أن يعود إليها، مُدخناً شرهاً لأنه ربّما شعرَ أنه إن لم يحرق شيئاً فقد يحرق نفسه، يسارياً حتى العظم، مريضاً يحقنُ نفسه بالإنسولين، يقرأُ بنهم، ويكتبُ دون كلل كأنّه كان يعرف أنه سيموت باكراً، فمن أين أتتْ خطورته؟! برأيي أن خطورة غسان أتتْ من إيمانه الراسخ بقضيته في تطبيق المثاليات التي يكتبُ عنها، فهو عندما كان يكتب عن محاربة إسرائيل في الحرية والسفير والديار كان يُخطط مع رفاقه في الجبهة الشعبية لخطفِ الطائرات الإسرائيلية وهكذا كان!
إسرائيل تعرفُ أن المعركة ليستْ معركة بُندقية فقط، وإنما معركة وعي بالدرجة الأولى، لأن البندقية الجاهلة تَقتل ولا تُحرِّر، وقد كان غسان واعياً حتى الشهادة!
بقيَ أن نعرف نحن هذه الحقيقة، أن نعرفَ أنّ محاربة إسرائيل ليستْ بالبندقية والصاروخ فقط وإن كان هذا من أنبل صور الصراع، ولكن هناك صراع ثقافة ووعي، هناك صراع تربية، والأمُ التي تُربي أولادها تربية حسنة، والأبُ الذي يسألُ أولادَه عن الصلاة والصيام هؤلاء جنديان في المعركة وإن لم يحملا البنادق، الخُطباء في المساجد والمُعلمون في المدارس هم جنود إن شاؤوا، جنود لا يقلون أهمية عن المقاتلين وجهاً لوجه!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
08/07/2019
1890