+ A
A -
لا يوجد في عالم السياسة ما هو أخطر من إدارة الأمور والملفات السياسية والاقتصادية للدولة حسب الأهواء الشخصية وفي إطار رؤية ضيقة قصيرة الأمد ودون حساب العواقب ووضع الأمور في ميزان المصالح وحساب المكاسب والخسائر،
وتأثير هذا القرار أو ذاك على المستويين السياسي والاقتصادي وهما الفيصل الأساسي لترجيح اتخاذ القرار من عدمه، وتختفي تلك الحسابات عندما تكون السلطة في الدولة ديكتاتورية قمعية ولها ارتباطات خارجية تجعل من قراراتها مجرد انعكاس لرغبات هذا الحليف هنا وذاك الداعم هناك وتأتي مصلحة الدولة وشعبها في ذيل اهتمامات تلك السلطة هذا لو تضمنتها من الأساس.
كان من المفاجئ إعلان وكالة الأنباء الرسمية المصرية الأحد الماضي عن حكم محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ بالسجن المؤبد بحق 5 متهمين لإدانتهم في القضية التي اشتهرت إعلاميًا بالتخابر مع إيران والسجن المشدد 15 سنة بحق متهم واحد وغرامة نصف مليون جنيه لكل منهم، ثم قامت الوكالة في وقت لاحق بتعديل الخبر واستبدال عبارة «التخابر مع إيران» إلى «التخابر مع دولة أجنبية» في قضية دارت جلساتها الـ32 على مدار عام كامل منذ يونيو 2018 في سرية تامة وكان الحكم بحق الخمسة غيابيًا بينهم سيدة دون تحديد الجنسية والاكتفاء بكونهم أجانب والحكم المشدد حضوريًا بحق مواطن مصري قالت إنه اعتنق المذهب الشيعي وهي تهمة لا وجود لها في الدستور أو القانون المصري، ولكن يبدو أن التصريح بكونه شيعيا هدفه هو الربط بينه وبين جهات خارجية لتكتمل أركان تهمة التخابر ففي مصر كما الكثير من الدول العربية ما ذكر التشيع كبند في لائحة اتهام إلا وكان المقصود إيران، ثم الأخبار المتداولة عن توقيف السلطات المصرية منذ عدة أيام لناقلة نفط ترفع العلم الأوكراني وعلى متنها شحنة إيرانية وهو ما قد يتم تفسيره بإعلان نظام السيسي عن نفسه بالدخول على خط تنفيذ العقوبات الأميركية ضد إيران وإرضاء للكفيل السعودي.
وكأن النظام العسكري يقول ها نحن نصعد الوضع مع إيران رغم اتفاق موقفها معكم في الترحيب بالانقلاب العسكري ضد الرئيس محمد مرسي الذي كان من الواضح أن سياسته الخارجية مع إيران لن تختلف عن مثيلتها في عهد المخلوع مبارك الذي جاء إلى السلطة عقب اغتيال السادات الذي باركته إيران كونه حليف الشاه ورائد التطبيع مع الكيان الصهيوني واستضافته للشاه محمد رضا بهلوي في مصر بعد هروبه إبان الثورة حد إطلاق اسم خالد الاسلامبولي أحد منفذي عملية الاغتيال على شارع في وسط العاصمة طهران بعد إعدامه في إبريل 82 وحتى عندما قامت بلدية طهران بتغييره إلى شارع الانتفاضة في 2004 وكانت رسالة ثنائية المغزى فهي من ناحية بادرة حسن نية تجاه النظام الحاكم في مصر وفي نفس الوقت تذكرة بأن القضية الفلسطينية ستبقى هي الأساس في ظل اختلاف وجهات النظر حول الملف الفلسطيني بين البلدين والمستمر ليومنا هذا، والرئيس محمد مرسي جاء إلى الحكم عقب ثورة 25 يناير التي باركتها إيران ثم انقلبت عليها بعد خطاب الرئيس محمد مرسي الشهير في طهران والذي استهله بالترضي على الصحابة رضوان الله عليهم في رسالة كان مفادها أن لا تغيير قد يطرأ في العلاقات بين البلدين وأن الخلاف العقدي السني-الشيعي هو الأساس في العلاقات الثنائية وإن كان هناك التنافس المصري-الإيراني على أصعدة عدة متواجد في الخلفية وهو المحرك الرئيس والمتحكم في منحنى العلاقات صعودًا وهبوطًا.
ربما تكون العلاقات المصرية-الإيرانية من أعقد العلاقات الإقليمية وأكثرها غرابة، فقد تحولت عدة مرات خلال عقود قليلة وإن كانت القطيعة هي الغالبة وهو أمر يعتبر غريبًا إلى حد ما في عالم السياسة والمصالح فمصر هي الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي ليست لها علاقات كاملة مع إيران وكذلك إيران تكاد تكون الدولة الإسلامية الوحيدة التي ليست لها علاقات دبلوماسية كاملة مع مصر، فمن عداوة متبادلة واضحة على المستوى الرسمي في عهد جمال عبدالناصر ويرجع هذا لتعاون السعودية وإيران في دعم حكم الزيدية الملكي ضد الجمهوريين في اليمن في مواجهة عبدالناصر ومشروعه القومي والساعي لفرض نفسه كزعيم أوحد للمنطقة العربية وهو ما عرف بحرب اليمن في مطلع ستينيات القرن الماضي وعلاقات نظام الشاه الوطيدة بأميركا والكيان الصهيوني، ثم انقلبت الآية بعد وفاة عبدالناصر وهو ما استقبلته إيران بكل ابتهاج لتشهد العلاقات المصرية-الإيرانية تطورًا ملحوظًا وبرضا سعودي تام وارتبطت السادات بعلاقة شخصية وطيدة بشاه إيران محمد رضا بهلوي.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
11/07/2019
1502