+ A
A -
أن يكون لديك مشروع وخطة غير مضمونة النتائج، وفيها هامش للخسارة والمخاطرة، أفضل بكثير من ألا يكون لديك مشروع وخطة على الإطلاق، في العمل السياسي عندما يكون هذا الفصيل أو ذاك الحزب أو تلك الجماعة حبيسا وملازما لخانة رد الفعل على الدوام فهذا يجعل منه متوقع التصرفات والأفعال ضعيف التأثير أو منعدمه على سير الأحداث وعلى أرض الواقع، وبالتدريج سيفقد المصداقية والتأثير لدى أنصاره ولن يأخذه الخصوم والمنافسون وحتى الداعمون والحلفاء على محمل الجد ولن تلتفت إليه الأطراف المؤثرة في المعادلة السياسية داخليًا وخارجيًا.
مثلت دومًا قضية المعتقلين السياسيين في سجون الانقلاب العسكري معضلة متفاوتة الأهمية لدى كافة الأطراف من السلطة العسكرية إلى شتى أطياف المعارضة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، لكن وبكل مرارة وأسف أظهرت الأحداث أن العسكر لديهم خطة متكاملة للتعامل مع هذا الملف الخطير والشائك بدايةً من مضاعفة عدد السجون لتصل إلى 66 سجنًا حتى مايو 2019 بعد أن كانت 44 سجنًا فقط في مايو 2013 وصولًا لعقد الصفقات المتتالية مع القوى الغربية التي لا توجد لديها أي مشكلة تذكر في التغاضي الفعلي عن الملف الحقوقي في مقابل ضمان العسكر لتحقيق مصالحها في مصر والتصريحات الرسمية التي تصدرها الحكومات الغربية بين الفينة والأخرى لا تعدو كونها ذرا للرماد في العيون وتذكرة النظام العسكري بما لديه من عورات يتمنى سترها ولا مانع لديه من الانبطاح والإمعان في التبعية من أجل تحقيق هذا المطلب، بينما لا يوجد لدى المعارضة بكافة أطيافها أي ردة فعل أو تصور للتعامل مع ملف المعتقلين بل على العكس فقد بدا واضحًا لكل متابع أنه ورغم مرور أكثر من 6 سنوات على الانقلاب العسكري فلا يزال القوم من اليمين واليسار يتعاملون على أسس ما قبل يوليو 2013 في انفصال واضح عن أرض الواقع، فلا يزال هو الخلاف والتناحر والاتهامات المتبادلة نفسها تتردد ما إن تطرح مبادرة من هنا أو هناك أو يتم السماح بتسريب رسالة من هذا المعتقل أو ذاك شارحة مدى معاناة المعتقلين في الداخل ووضعهم المأساوي وتوحش وتفنن النظام الانقلابي في طرق تعذيبهم جسديًا ومعنويًا وتخلو تلك الرسائل من أي لوم أو تخوين لمن هم بالخارج - خارج المعتقلات وخارج الدولة- بل مجرد تساؤلات عن استراتيجيتهم وخططهم بشأنهم وهم الصامدون والثابتون ويمثلون بهذا الصمود والثبات أثمن ورقة تمتلكها المعارضة ولا مجال لأن يزايد عليهم أحد مهما كانت خلفيته السياسية أو سيرته أو موقعه ما دام خارج الأسوار، فلا يشعر بالجرح إلا صاحبه ولا يدرك حجم المعاناة إلا الواقع تحت وطأتها. الحقيقة المرة الواجب الاعتراف بها أن جميع الأطراف قوى إقليمية ودولية، عسكر ومعارضة قد تمترست وكيفت أوضاعها بناءً على المعطيات الحالية، القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة والحليف الأوروبي لا يخدم مصالحهم تخلص السيسي ونظامه من عبء الملف الحقوقي فكلما زادت أخطاؤه وجرائمه سهل السيطرة عليه حاليًا وتوافرت الذخيرة اللازمة للتخلص منه مستقبلًا لو لزم الأمر أو انتفت الحاجة إليه، النظام العسكري لا يوجد لديه ما يخسره أو يدفعه للتراجع، على العكس يمثل ملف المعتقلين بوضعه الحالي ورقة ضغط وكارتا رابحا يلوح به مهددًا الجميع، ونتحدث هنا عن مئات الآلاف من الأسر المصرية على مستوى الإنساني والاجتماعي وكافة الفصائل والأحزاب والحركات على المستوى السياسي والتنظيمي، ومخزون بشري متنوع الخلفيات والأيديولوجيات يستخدمه متى شاء لتسديد الخانات وتحمل مسؤولية الحوادث الإرهابية- حجة النظام الرئيسية للبقاء والقمع- متى تعذر إيجاد الجناة الحقيقيين في حال لم يكن النظام متواطئا في تلك الحوادث، والمعارضة اكتفت بسبل المعارضة الإعلامية دون السياسية- المتعددة الوسائل والأهداف- وهي التي تمتلك لو أرادت ملفات يمكنها لو أحسنت وانتوت استغلالها التضييق على النظام وإظهار حقيقته وجعل المسؤولين المصريين في النظام الانقلابي عرضة للملاحقة والاعتقال في العديد من البلدان الغربية التي تسمح قوانينها بالنظر في القضايا خارج الحدود واستدعاء واعتقال المسؤولين عنها لو لزم الأمر- حال كانت تواجده بصفته الشخصية أو ترك منصبه الرسمي- وأبرزها القضاء البريطاني على سبيل المثال لا الحصر وفي نفس الوقت إحراج الحكومات الغربية ودفعها مكرهة للضغط على حليفها الانقلابي.
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
22/08/2019
1382