+ A
A -
داخليًا، أطاح السيسي تقريبًا بجميع من أتوا به لسدة الحكم بشقيهم العسكري والمدني، فتخلص بالتدريج من كل الجنرالات الذين يخشى منهم على نفسه ويحاول جاهدًا إبقاء القوات المسلحة تحت سيطرته وبات يتعامل مع الضباط من الرتب العالية والمتوسطة بطريقة تبادل المنفعة يمنحهم المميزات والامتيازات المختلفة ورفع مستمر للرواتب وإطلاق يد الجيش الاقتصادية لتتوسع وتنتشر بوتيرة متسارعة، وهو ما يضاعف من الأعباء المالية على كاهل الموازنة العامة، فقد بات الجيش دولة داخل الدولة له في المكاسب وبعيد كل البعد عن المغارم، وتسبب هذا في هز صورة الجيش في أعين ووجدان الشعب المصري واختلفت المعطيات اليوم، فمشهد حماية الجيش للثورة حتى يتمكن من الالتفاف عليها لن ينجح مجددًا بأي حال من الأحوال، بل إن الاحتقان المتصاعد في الشارع المصري قد يجعل من الإطاحة بالسيسي هو الخيار الأوحد لتحسين صورة الجيش من جديد، بعد أن تسبب السيسي في تشويهها، وهو يوقع على اتفاقية سد النهضة والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير واتفاقية ترسيم الحدود البحرية، والتي أضاعت حقول الغاز في شرق المتوسط وجعل الجيش في صورة الموافق والراضي بكل تلك التنازلات المخزية، والتصاعد المتزايد بصورة مخيفة في اعتقال العديد من السياسيين والأكاديميين والصحفيين حتى من التوجهات والفئات التي كانت في طليعة من مهدوا الطريق للسيسي جعل الجميع من كافة التيارات السياسية في حالة يقين تام أن لا مجال لأي ممارسة سياسية في ظل استمراره في سدة الحكم، فقد أغلق المجال السياسي والإعلامي بالضبة والمفتاح وأصبح حكرًا على من يتملقونه ويطبلون له على الفاضي والمليان وباتت مهمتهم شبه مستحيلة ويعبر عنهم المثل الدارج «ايش تعمل الماشطة في الوجه العكر»، فقد انكشف كذب وزيف الجنرال واتسع الفتق على الراتق، وتسبب سيل الفيديوهات المتواصل من المقاول والفنان «محمد علي» في حشر النظام في الزاوية وكشفه أمام مؤيديه فهو منهم وفيهم وشاهد عيان وشريك في تشييد المشروعات التي كان يروج السيسي أنه يخفيها عن أهل الشر لينقشع الغبار ويتضح أنها قصور واستراحات من قوت وأموال شعب مصر.
وخارجيًا بات حلفاء السيسي أنفسهم في وضعية صعبة وحتى عندما استقبله ترامب الإثنين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة وقام بمدحه أمام وسائل الإعلام ووصفه بأنه قائد عظيم جاء المديح بمثابة برهان جديد على أن المظاهرات التي خرجت ضد السيسي ودعوات الحشد للخروج من جديد يوم الجمعة قد أصابته بالخوف والارتباك ودفعته على غير العادة لتغيير النغمة من محاربة الإرهاب إلى خطر الإسلام السياسي عند إجابته على تساؤلات الصحفيين عن المظاهرات التي خرجت ضده، ترامب نفسه هو من نادى بصوت مرتفع بقوله أين ديكتاتوري المفضل؟ قبيل اجتماعه به في باريس الشهر الماضي خلال قمة مجموعة الدول الصناعية السبع، وما يعانيه أبرز حلفائه الإقليميين السعودية والإمارات الغارقتين في مستنقع اليمن وتزايد المصاعب الاقتصادية والسياسية للدولتين وخلافاتهما المتصاعدة مؤخرًا.
{ (يتبع)
بقلم: جمال الهواري
copy short url   نسخ
28/09/2019
1475