+ A
A -
يقولون إن التاريخ يكتب بحبر المنتصر، كما يقول نيتشه:«ان العوام يعتنقون معتقداتهم بدون براهين بل يكفي أن تملى عليهم ليؤمنوا بها، فكيف يمكنك أن تقنعهم بزيفها بالبراهين، إن الاقناع في سوق العوام لا يقوم سوى على نبرات الصوت وحركات الجسد، اما البراهين فتثير نفورهم».
اذكر أني صدمت وانا صبية حين وقع في يدي قاموس فرنسي، ورد فيه أن حرب اكتوبر دارت رحاها بين الإسرائيلي وبين الجيشين المصري والسوري وكان النصر فيها للإسرائيليين!
وكنت كسائر الشعب محاصرة بأخبار تنسف ما ورد في القواميس الأجنبية، فقد زرع فينا أن المعركة دارت بين مصر وإسرائيل وقد انتصر فيها المصريون بمساندة العرب لمصر بعد قطع البترول عن الغرب، لذلك فقد كنت معتنقة لفكرة أن مصر وحدها هي التي حاربت العدو الاسرائيلي، حيث لم يرد في إعلامنا أي ذكر لدورالجيش السوري في المعركة.
ويظل العوام أمثالي يعتنقون معتقداتهم بدون براهين أو رغم وجود براهين.
- اتسعت دائرة الإطلاع، فنما لعلمي أن حرب اكتوبر تطلق عليها اسرئيل حرب يوم الغفران ويتم ذكرها على أنها المعركة التي شُنّت بهجوم مباغت من قبل الجيشين المصري والسوري ضد القوات الإسرائيلية، وقد كانت الغلبة في الحرب أول الأمر لمصر وسوريا على السواء، ثم حدث الشقاق في الصف العربي بعد انفراد السادات بموقف تصالحي مع إسرائيل، دون موافقة سائر العرب الذين ساندوه بالمال، بالسلاح والعتاد والدماء ابان الحرب.
التنازلات الضخمة سيادية وعسكرية التي قدمها السادات أضعفت الموقف العربي مقابل سيناء بلا سيادة حقيقية. فحدثت المقاطعة لمصر لأن العرب الذين ساهموا عسكريا واقتصاديا، لمسوا خذلانًا من الحكومة المصرية التي أوقفت إطلاق النار فيما كان العرب، متفقين مسبقا على استمرار المقاومة حتى استرداد كل شير من الأراضي المصرية والفلسطينية والسورية، في حين أرادها السادات «صفعة» يلسع ويجري ليسمح بالتفاوض بشكل يبدو فيه وكأن الكفتين متساويتان.
فكتب «دنقل»:
«لا تصالح
لا تصالح على الدم بدم
تُرى لو فقأوا عينيك
وثبتوا مكانهما جوهرتين..
هل ترى؟
تلك أشياٌء لا تُشترى»
وبقي العوام مصرّين على اعتناق لمعتقداتهم بدون براهين لمجرد الانصياع للإعلام الذي أوهمهم أن السيادة المنتقصة نصرٌ مبين وأنه طوبى للحكومات «العُقر» التي حصلت على مساعدات وإمدادات عسكرية ومادية، ثم انفردت بسلام.
تخلخل الجسد العربي وتيقنت الشعوب أن كل حاكم يبحث عن مصلحته الوطنية وحسب.
- كبرنا وقد غرسوا فينا أن السادات ثم مبارك هما صُنّاع نصر أكتوبر، مع تعتيم متعمد لدور «الفريق الشاذلي» المهندس الحقيقي لإستراتيجية الهجوم العسكري!
كان للفريق الشاذلي أكبر دور في الحرب، فقد تولى رئاسة أركان حرب الجيش. لذا، فهو مهندس المعركة بلا منازع، حتى وصف عالميا بأنه «الرأس المدبر» للهجوم المصري الناجح على «خط بارليف».
وهو من حدد المهام القتالية لأفراد القوات المسلحة من أعلى القيادات إلى أصغر جندي في المعركة، وكانت أوامره مدونة فيما يعرف بخطة بدر 2000.
- خطة بدر تم التدريب عليها قبل الحرب لجميع القوات في منطقة القناطر الخيرية.
- كذلك كان الرجل لا مثيل له في قوة الشخصية، فقد استقال ثلاث مرات من منصبه لإعلان رفضه لسياسات السادات التي كان يراها تضر بالمصلح المصرية، فقد كان يؤمن بقوة التحالف المصري والسوري، كما كان عازما لتحقيق نصر سياسي واقتصادي وعسكري دون الحاجة لتقديم تنازلات أو «شو» سياسي،
- بعيد استقالته، سحبت من الفريق الشاذلي نياشينه وتمت محاكمته عسكريًا كما حُرِم من معاشه، فعاش منفيا في الجزائر، وتم مسح اسمه من سجلات النصر في الأفلام التسجيلية بالاضافة لعمل مونتاج، فتم قطع صورة رأسه في الصور واستبدالها بصورة قائد عسكري آخر.
الفريق الشاذلى عاد إلى مصر بعد 14 عاما قضاها في الجزائر، بعد وعد شفوي تلقاه بأنه آمن في مصر، لكن تم القبض عليه فور وصوله مطار القاهرة بتهمة إصدار كتاب دون موافقة مسبقة.

داليا الحديدي

كاتبة مصرية
copy short url   نسخ
19/10/2019
1775