+ A
A -
في سالف العصور والأزمان، كانت العرب تولي الأمثال والحكم حيزا كبيرا من الاهتمام، لأنها تعبر عن الحالات وترصد المواقف وتوثق المشاهد، ومن أشهرها ما يقال عند عند انتظار شيء كبير أو حدث جليل، فإذا به ضعيف وصغير وهزيل..: «تمخّض الجبل فولد فأراً»..!
تذكرت هذا المثل القديم وأنا أشاهد المؤتمر الجديد الذي عقد أمس في القاهرة، بحضور «الرباعي» من وزراء الدول المحاصرة، للتعليق على الرد القطري الذي وصلهم عن طريق الكويت، بشأن مزاعمهم، أقصد مطالبهم التي كتبوها بلا منطق أو حق أو للتدخل في شؤوننا الداخلية والانقضاض على سيادتنا الوطنية..!
وعطفا على ما سبق المؤتمر من تهديد ووعيد وتصعيد، في حال لم تستجب قطر وترضخ وتركع، كنا نتوقع أن نسمع قرارات عنترية وعقوبات استعراضية، يكملوا بها فضائحهم المجلجلة وتصرفاتهم المخجلة، ويتوجوا بها سقطاتهم المدوية التي ترفضها أخلاق الإسلام ومروءة الجاهلية!
اجتماع فاشل وبيان ركيك مهلهل، تبعه مؤتمر صحفي أشبه بمسلسل، فبعد طول انتظار، ونهاية المدة المحددة وما تلاها من وقت بدل ضائع، ومن تنسيق مشترك بين الفريق الرباعي، جاءت القرارات والتصريحات «ناعمة» وتبحث عن السعادة وتحارب الكراهية، وناقص يقول الوزير الإماراتي صاحب عبارة «كفى»: كش عليك يا قطر، سياستك شريرة، لازم تكوني «كيوت»!!
وطالعونا بقائمة جديدة، بعد أن عملوا للقائمة الأولى عملية «قص معدة» برعاية الخبير جميل الذيابي، لتخسر من وزنها 7 بنود وتصبح في الشكل الجديد 6 اشتراطات ركيكة، علما بأن الوزير الجبير قال في بداية هذا الأسبوع بعد أن حمّر عيونه وعض طرف لسانه: «لا تفاوض حول النقاط، ويجب على الدوحة تنفيذها بالكامل»، وبعد ساعات من هذا الترويع و«التخريع»، طارت نصف القائمة، وذهب كلامه مع كثبان الدهناء ورمال الجافورة!
مؤتمر خليجي على أرض الكنانة «أخذ الطابع المصري» في الأداء الدرامي والتراجيدي الذي يتميز به الفن والمسرح في ماسبيرو وشارع الهرم، مما جعل المتابعين يعيشون معهم الجو الحزين المؤثر وكان ناقص موسيقى لأغنية شيرين «جرح تاني» حتى تصل تأثيرات الحوار والسيناريو للمتابعين، فهذا يهدد بالاقتصاص للدم المصري، وتناسى أن نظامه العسكري القمعي الذي أطلق يديه بالعصا الغليظة لترويض كل من يفكر في الاعتراض أو التعبير عن انتقادات للحكومة وقبلها في الحادثة الشهيرة التي سالت فيها أطنان من الدماء في ميدان رابعة الشهير، مما يؤكد أن الدم عند هذا النظام مثل الشربات أبو جنيهين، ووزير آخر يلعب على وتر المشاعر والحزن والفرح والابتسامة، وكأنه مازال متأثرا بقصص مجلة ماجد التي تصدر غلافها في يوم ما، وآخر يتأتئ في الكلام ومتناقض الأقوال وغريب الأطوار، وأداؤه في هذه الأزمة من الناحية الإعلامية أساء له ولمكانة بلده، ويذكرنا أحيانا بالطالب المرتبك في طابور الصباح، لا يستطيع السيطرة على المفردات أو تطويع الكلمات..!
وآخر ثقيل «الوزن» السياسي ظهر «حماسي»، لكن كلامه غير مؤثر ولا يستطيع تطبيقه لا في العدلية ولا حتى في شارع المعارض!
فالإخوان التي يصفها بأنها جماعة إرهابية تمارس العمل السياسي في مملكته ولها مقاعد في البرلمان،
لذلك تبقى هذه التصريحات ضمن إطار «حچي» وبس، لزوم الاستهلاك الإعلامي والاستعراض السياسي!
وبعيدا عن هذا «الرغي» والتمثيل في هذه المسرحية الهابطة، بهدف الردح والتهديد والوعيد، دون إحساس بالمسؤولية، ولا إدراك للحالة المأساوية، التي سببوها لشعوبنا الخليجية.. فإن البيان والمؤتمر المنعقد بعد تهديدات لقطر بالويل والثبور وعظائم الأمور، هذا البلد الذي بذل الغالي والنفيس لمكافحة الإرهاب وتمكين الشباب، وفتح الآفاق.
ويبدو أن اتصال ترامب بالسيسي قبيل اجتماعهم، «فركش» مخططهم، و«فنكش» بيانهم، فبعد أن انتظر الإعلاميون قرارات من الوزن الثقيل تشبع النهم، جاءت المحصلة النهائية: بيان
«رز بلبن» ولكن بلا طعم!
ناقشوا الأزمة في مصر، وكانوا يطالبون تركيا بالابتعاد عن مشكلة محلية خليجية، تُحل في إطار الأسرة الواحدة، على اعتبار أن القاهرة تقع بين الإحساء والغويفات والإسكندرية تطل على مضيق هرمز، وهذا استكمال للارتباك والاشتباك في المواقف والتصريحات، هذا يتهم دون أدلة، وذاك يرغي بلا هوية، في حين يتحدث العالم العاقل والمتحضر عن ضرورة الحوار البناء للوصول لنقاط التقاء.
«الرد القطري سلبي، المقاطعة ستستمر، قطر لا تهتم بأشقائها، لا يمكن التسامح مع الدور التخريبي الذي تمارسه قطر، نأمل في أن تتغلب الحكمة، قرار تعليق عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي سيصدر من المجلس وحده».
كانت تلك بعض العبارات «العنترية» حتى لا أقول الهمجية، التي صدرت عن وزراء خارجية دول الحصار الأربع، بعد البيان الرسمي الصادر عن اجتماعهم في القاهرة.
تعالوا أولا نقرأ أبرز «الاشتراطات الجديدة» التي جاءت في البيان، والمتمخضة عن المطالب الـ «13» سيئة السمعة والصيت، والتي لقيت استنكارا واسعا.
أولاً: الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب، ومنه تمويله أو توفير الملاذات الآمنة لأفراده.
ثانياً: إيقاف أعمال التحريض كافة وخطاب الحض على الكراهية أو العنف.
ثالثاً: الالتزام الكامل باتفاق الرياض لعام 2013 والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية لعام 2014، في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
رابعاً: الالتزام بجميع مخرجات القمة العربية الإسلامية-الأميركية التي عُقدت بالرياض في مايو/ أيار 2017.
خامساً: الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول ودعم الكيانات الخارجة عن القانون.
سادساً: مسؤولية دول المجتمع الدولي كافة عن مواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب بوصفها تمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين.
أولا- قطر واحدة من أكثر الدول التزاما، وهي عضو في التحالف الدولي والإسلامي لمكافحة الإرهاب، وتضم القاعدة الأميركية الرئيسية التي تعمل على محاربة تنظيماته، وهي أكثر دولة قدمت مساعدات للشباب من أجل تمكينهم وتأهليهم وإبعادهم عن الفكر المتطرف.
ثانيا- خطاب التحريض والحض على الكراهية والعنف، ادعاءات باطلة لا أساس لها، تنافي الواقع وتجافي الحقائق،
فمواقف قطر الرسمية هي الأكثر انفتاحا على الحوار والثقافات والحضارات، وهي التي استضافت العديد من المؤتمرات للحوار بين الأديان، وهي التي جمعت رجال الدين من مختلف المذاهب للتقريب ونشر رسالة السلام.
وإن كان المقصود الإعلام القطري، ومن ذلك الجزيرة، فأدبياته واتجاهاته لاعلاقة لها على الإطلاق بهكذا افتراءات، وهذا لايحتاج إلى أدلة وبراهين، إذ أنه موجود ويمكن الرجوع إليه بغاية السهولة، مقابل إعلام ساقط فاجر مأجور يتنفس الكذب والبذاءة والإساءة!
بالمناسبة.. هل قرأتم أمس ما نشر في الصحافة الإنجليزية عن أن التمويل الأجنبي للتطرف الإسلامي في بريطانيا يأتي بمعظمه من السعودية؟!
هل سمعتم ما قاله توم ويلسون من «جمعية هنري جاكسون» في بيان مقتضب منه مايلي:
«في الوقت الذي كانت فيه مؤسسات من الخليج وإيران مذنبة بنشر التطرف، فان هؤلاء في السعودية هم بلا شك على رأس القائمة».
وأشارت الدراسة ايضا إلى ان بعض أخطر الدعاة الإسلاميين الذين يبثون الكراهية في بريطانيا «درسوا في السعودية ضمن برنامج بعثات دراسية».
وذات علاقة بالموضوع، كشفت أجهزة في الولايات المتحدة الأميركية عن تمويل إماراتي لأحداث 11 سبتمبر، التي شارك في تنفيذها فريق من الإرهابيين وتضم تشكيلته الأساسية مجموعة من السعوديين والإماراتيين وكابتن الفريق مصري، أما مطوع داعش فهو بحريني، ومن السخرية أن هذه الدول الأربع المتورطة في الإرهاب الأميركي والبريطاني هي التي تتآمر على قطر وتريد إلصاق هذه التهمة فيها بأي شكل من الأشكال!
يا مراهقي السياسة والوزراء «الكيوت» أنتم بهذا العبث تعيدون إحياء قانون جاستا الأميركي وسيظهر له صديق جديد اسمه «جاستا البريطاني» ولن ينفعكم الاحتماء بترامب ولا الاختباء خلف تيريزا ماي، فهذه دول مؤسسات عريقة وعميقة، وإذا ما نجحت في إخراج هذه القوانين لحيز الوجود، فإن صراخ الدول الأربع سيسمعه القابعون في جبال تورا بورا والقاطنون في دواعيس بوينس آيرس!
ثالثا- الالتزام باتفاق الرياض، والحديث عنه، لا أدري إن كان يدعو للضحك أو البكاء، فالذين خرقوا الاتفاق وما تم التوافق عليه هم الذين قرصنوا وكالة الأنباء القطرية في منتصف الليل، وفبركوا الأحاديث، ثم انبروا لحملة هوجاء، إلتم فيها المتعوس على «خايب الرجا»..!
رابعا – في بند الالتزام بجميع مخرجات القمة العربية الإسلامية- الأميركية التي عُقدت بالرياض في مايو/أيار 2017، فإن قطر كانت في مقدمة المشاركين، ممثلة بحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حفظه الله، وفي تلك القمة كان لافتا عبارات الشكر والإشادة بقطر من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، باعتبارها شريكا رئيسيا واستراتيجيا في مكافحة الإرهاب.
خامسا- الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول ودعم الكيانات الخارجة عن القانون..!
الرد على هذا البند يتمحور في الأسئلة التالية:
- من يتدخل في ليبيا عبر دعم عصابات خارجة عن القانون وميليشيات مسلحة تقتل المواطنين؟!
- من يتدخل ضد إرادة الشعوب وخياراتها الديمقراطية ويدعم الثورات المضادة؟
- من يؤوي أسر الطغاة والمعتدين المطرودين الفاسدين الذين عاثوا في بلادهم نهبا وسرقة وسفكاً للدماء؟ مثال: أسرة بشار الأسد وسيف الإسلام القذافي وأحمد علي عبدالله صالح ومحمد دحلان ومحمد اسماعيل (المتهم باغتيال الملك عبدالله رحمه الله)..؟!
- من يمول الانقلابات الفاشلة ويخطط لها وآخرها الصيف الماضي في تركيا وروج للفوضى فيها؟
ولولا وساطة قطر لحدث ما لايحمد عقباه!
الإجابة على كل هذه التساؤلات واحدة
وبكلمة واحدة: «الإمارات»!!
ووزيرها يردد «كفى كفى كفى»!
سادسا- مسؤولية دول المجتمع الدولي كافة عن مواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب بوصفها تمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، وهل كان المجتمع الدولي ينتظر إشارتكم لمحاربة الإرهاب، الذي أنفقتم الملايين بل المليارات لدعمه، وتمكينه، عبر أكثر من طريقة وطريق؟.
كل ما سمعناه من عبد الله بن زايد وزملائه، ومن الوزير الجبير المركون على الطرف في المؤتمر، وهذا لا يليق بمكانة المملكة العربية السعودية، عاصمة القرار العربي، وان كانت تظهر هذه الأيام، وكأنها تابعة للقرار الإماراتي، كل ما قالوه افتراءات بلا دليل أو وزن ومحاولة لشيطنة دولة قطر.
وماذا بعد؟..
ثمة طريق مختصر كان يمكن اللجوء إليه أكثر احترافية وموضوعية، وأدعى للاحترام بين دول العالم، فما بالك بدول الجوار هو الجلوس على طاولة الحوار.
دعوا منكم الاستعراض الإعلامي، وتعالوا نتحاور بشكل دبلوماسي، نتحاور كما يفعل الأشقاء والأصدقاء، ونحتكم لكلمة سواء.. أساسها مصلحة المنظومة الخليجية، وإطارها القوانين الدولية.

بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
copy short url   نسخ
06/07/2017
7035