+ A
A -
تابع العالم بساسته وإعلامه الجولة المهمة التي قام بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في قارة إفريقيا، إذ زار سموه ست دول هي: السنغال ومالي وبوركينا فاسو وغينيا وكوت ديفوار وغانا، حيث تصدرت قضايا التعاون الاقتصادي والأمن والسلم ومكافحة الإرهاب المحادثات التي أجراها سموه مع قادة هذه الدول.

جولة صاحب السمو الإفريقية جاءت بمثابة تتويج حقيقي للدبلوماسية القطرية النشطة، والتي صارت أكثر حيوية في ظل الحصار الجائر، وهي أعقبت جولتين سابقتين قام بهما صاحب السمو إلى أوروبا في سبتمبر الماضي، حيث زار سموه تركيا وألمانيا وفرنسا، تبعها بزيارة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ولقاء بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، ثم أتبعها في أكتوبر بجولة شملت عدة دول آسيوية هي: ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا، ساهمت جميعها في تعزيز علاقات التعاون والصداقة، بين قطر وبين الدول التي شملتها جولات صاحب السمو.

بين الجولتين الأوروبية والآسيوية، ألقى صاحب السمو كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، سوف تبقى محفورة في ذاكرة كل مواطن ومقيم في أرضنا الطيبة: «أقف هنا وبلدي وشعبي يتعرضان لحصار جـائر مـستمـر، فرضتـه دول مجاورة منذ 5 يونيو الماضي. ويشمل هذا الحصار كافة مناحي الحياة، بما في ذلك تدخل الدول لقطع الصلات العائلية. وتدير قطر حاليا حياتها واقتصادها وخططها التنموية، وتتواصل مع العالم الخارجي بنجاح، بفضل وجود معابر بحرية وجوية ليست لهذه الدول سيطرة عليها».

كان صاحب السمو واضحا في خطابه، صريحا ومحددا: «لقد فُرِضَ الحصار فجأة ودون سابق إنذار، مما حدا بالقطريين لاعتباره نوعًا من الغدر، ويبدو أن الذين خططوا له ونفذوه، تصوروا أن تحدِثَ الخطوةُ أثرًا صادمًا مباشرًا يؤدي إلى تركيع دولة قطر واستسلامها لوصاية شاملة تفرَضُ عليها».

لكل ذلك أوضح صاحب السمو أن قطر ليست في وارد الرضوخ: «رفضنا الانصياع للإملاءات بالضغط والحصار، ولم يرض شعبنا بأقل من ذلك. وفي الوقت نفسه اتخذنا موقفا منفتحا على الحوار دون إملاءات، وأعربنا عن استعدادنا لحل الخلافات بالتسويات القائمة على التعهدات المشتركة، فحل النزاعات بالطرق السلمية هو أصلا من أولويات سياستنا الخارجية».

في ذلك الخطاب الهام، جدد صاحب السمو الشكر للدول الشقيقة والصديقة التي تُدرك أهمية احترام سيادة الدول وأحكام القانون الدولي ومواقفها المقدرة، والتي كانت، وما زالت، سنداً للشعب القطري خلال هذه الأزمة.

من هنا كانت جولات صاحب السمو تتويجا لجهود دبلوماسية كبيرة فاعلة وفعالة، هدفها تطوير علاقات الصداقة والتعاون، ووضع الدول الشقيقة والصديقة في صورة التطورات الراهنة، ومن ذلك بطبيعة الحال الحصار الجائر الذي تتعرض له قطر دون وجه حق، ودون أن تكون هناك أي أسباب تستدعي كل هذه الانتهاكات للأعراف والقوانين الدولية.

الجولة الإفريقية لصاحب السمو تناولت العلاقات الثنائية بين قطر والدول الست، والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، في أجواء ودية وتفاهم متبادل، عكست جميعها طبيعة العلاقات التي تجمع قطر بهذه الدول، والتي تم تتويجها بتوقيع نحو «22» اتفاقية ومذكرة تفاهم، كما تناولت العديد من الملفات الثنائية والإقليمية والدولية المهمة، ومنها موضوع القدس، والأزمة الخليجية وموضوع الإرهاب والقضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك، وكانت النتائج في غاية الأهمية، حيث التوافق والتفاهم كانا سمة الجولة السامية.

كنت حريصا على متابعة ردود الأفعال في الدول التي زارها صاحب السمو، ومن ذلك موقع «ريفي فرانس» الفرنسي، الموجه لدول العمق الافريقي باللغة الفرنسية، الذي أشار إلى أن صاحب السمو استقبل استقبالا حافلاً يليق بمكانته كشخصية فريدة في العالم، وزعيم مؤثر إقليميا وعالميا،
في حين لفتت صحيفة «لوموند» الفرنسية، القسم الإفريقي، إلى أن صاحب السمو حظي باستقبال غير مسبوق لأي زعيم زار السنغال من قبل.

هذا الاحترام وهذا التقدير لصاحب السمو له أسبابه ومبرراته، ذلك أن قطر لعبت أدوارا في غاية الأهمية لدى الدول الإفريقية وغير الإفريقية، عبر المساعدات التنموية، والوساطات الخيرة، لرأب الصدع، وتذليل الخلافات أينما استدعى الأمر، وقد عبرت صحيفة «افريقيا 7» عن ذلك بقولها: «تحظى قطر باحترام كبير وتقدير لا مثيل له بين الدول الافريقية، لاسيما اتحاد غرب افريقيا الذي استفاد من الاستثمارات القطرية بشكل كبير جدا.

في كتابه الصادر بعنوان «46 عاما على إنشاء وزارة الخارجية القطرية»، يوثق سعادة السفير أحمد بن جاسم محمد الملا لنشأة وتطور وزارة الخارجية بدولة قطر، وعلاقتها الدبلوماسية والقنصلية بالدول الأخرى، مستعرضا هذه المسيرة، من خلال الصور والمعلومات، والكتاب وفق مقدمة سعادة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير الخارجية: أول عمل مجمع للمعلومات الوثائقية لنشأة وتطور الدبلوماسية القطرية، ويضم هذا الكتاب التطور التاريخي لتأسيس وزارة الخارجية، ونشأة العلاقات الدبلوماسية بين دولة قطر ودول العالم الأخرى، وافتتاح السفارات القطرية بالخارج، وكذلك افتتاح السفارات الأجنبية والبعثات الدولية والاقليمية في دولة قطر.

الكتاب مرجع مهم عن بداية ونشأة الدبلوماسية القطرية، والأشخاص الذين عملوا في السلك الدبلوماسي، منذ البداية حتى الوقت الحاضر، ومما لا شك فيه أن الدبلوماسية القطرية أضافت تاريخا جديدا ومثيرا في فترة قصيرة، أثبتت فيها خبراتها وكفاءتها إذ سجلت خلال «200» يوم فقط انتصارات هائلة، حيث خاضت تجربة في غاية التعقيد والتشابك، واستطاعت أن تحرز نقاطا في غاية الأهمية لصالح التأكيد على تمسك قطر باستقلالية قرارها الوطني، وعمقها العربي والإسلامي، إذ حافظت على مواقفها المشرفة ورفضت الضغوط والتبعية لأحد، وقد نجحت في ذلك، وتوجت هذه التوجهات بجولات صاحب السمو عبر أربع قارات، حاملا رسالة قطر إلى العالم، وهي رسالة سلام وأمن وصمود في وجه أي محاولة للنيل من وطننا وقرارنا المستقل.
كلمة أخيرة..
مهما حاولت دول الحصار، وضخت من أموال، ومن ممارسات وضغوط غير أخلاقية ولا إنسانية، لتشويه صورة قطر، يظهر الحق أبلج، وتتكشف الحقائق للعالم قاطبة، والمنفتح على قطر، معجبا بمواقفها وبسياستها الحكيمة، التي تنشد الحوار بعيدا عن التهور والمراهقة والبلطجة التي رافقت أداء الدول المحاصرة، معتقدين أنهم في زمن داحس والغبراء وفي مساجلات سوق عكاظ، وإن كان ذلك العصر أكثر منهم مروءة وشهامة، مستغلين الدين والإعلام والفن والقبائل والأسر المشتركة لهدم الروابط الأسرية، وهذا لم يحدث في العصر الحجري ولا في الجاهلية..!
لكن ستبقى قطر قوية برجالها.. بقائدها.. بشعبها
.. صامدة في وجه الحصار ودول الانكسار.

بقلم:محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
copy short url   نسخ
26/12/2017
8362