+ A
A -
• «فمنذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، إلى عهد الخلفاء الراشدين، مروراً بالعهدين الأموي والعباسي، وإلى كل العهود اللاحقة حتى الآن» في هذه العبارة تخبط يربك المعنى، فأنت تقول «منذ استعمار سورية حتى الآن، مروراً بالثورات والاستقلال والانقلابات» أي إن ما يأتي بعد «مروراً» يكون واقعاً بين ما بدأنا به واللحظة، لكن الكاتب الذي نقلت لكم عبارته جعل العهدين الأموي والعباسي فاصلاً بين عهد الرسول صلى الـلـه عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين، فكيف استقام له هذا؟
• متى يكفّ الكتاب عن الإساءة إلى التاريخ؟ كاتب ظريف في إحدى الصحف المشهورة اتكأ على التاريخ فوقع في جملة أخطاء. قال إن المأمون سجن أبا نواس، والصحيح أن الأمين من سجن الشاعر، وكان أبو نواس إحدى الأخطاء التي ارتكز إليها المأمون في دعايته لتحطيم أخيه.
من أفحم المنادي بأن الخمر عنب وأعشاب وشمس، بأن شبه الخمر بحفنة من تراب وشيء من التبن وماء، تعجن وتوضع في الشمس، كل شيء مكنها لا يقتل، ولكنها إذا وضعت في الشمس صارت لبنة وكانت قاتلة، هو الإمام أبو حنيفة وليس القاضي الذكي إياس بن معاوية.
وقال: وها هو ذا أحد الشعراء الماجنين عندما دار (الراح) برأسه، أخذ يخاطب الخليفة بكل قلة أدب، وكأنه يخاطب أصغر صبيانه:
إذا ما نديمي علّني ثم علّني ثلاث زجاجات لهن هدير
خرجت أجر الذيل منّي كأني عليك يا أمير المؤمنين أمير
هذا كان الأخطل النصراني، أحد أعظم ثلاثة الشعراء في العصر الأموي مع الفرزدق وجرير، والحقيقة أن عبد الملك عرض عليه أن يسلم ليعلنه سيد الشعراء (شاعر القصر) ولكنه قال له: إن شربت الخمر جلدتك، فقال هذين البيتين اللذين شوههما الناقل:
إذا ما نديـمي عـلّني ثم عـلـّـني ثـلاث زجـاجـات لـهـنّ هـديـرُ
خرجت أجرّ الذيل زهواً كأنني عليك – أميرَ المؤمنين – أميرُ
• قلنا كثيراً إننا لسنا ضد الاستعانة بالعامية لتوضيح فكرة، فنورد كلمة عامية، ولكننا نضعها بين قوسين إشارة إلى عاميتها، كما نستعين بكلمات من لغات أجنبية، ولكننا لا نتبنى كلمات العامية وكأنها من الفصحى. قال أحدهم «ولم يتفطن إلى هذا الخطأ» فمن أين جاء بهذا الفعل؟ حتى في العامية لا يستعملونه، لو أنه عاد إلى أي معجم عربي لوجد الجذر «فطن» ووجد اشتقاقات كثيرة، لكنه لن يجد «تفطـّن».
• من الكلمات الفصحى المنتشرة في العامية كلمة «ممنون». وروّج الإعلام كلمتي «ممتن» و«امتنان». والأولى اسم فاعل، والثانية مصدر من فعل «امتن»، وكل هذه الاستعمالات خطأ، بل تؤدي عكس المقصود.
تعود هذه الكلمات إلى جذر واحد هو «المنّ» أو إلى فعل واحد هو «منّ». الذي يعني قطع. و«المنين» الحبل الضعيف. و«المنون» الموت. وتقرأ (أو تسمع): عبّر المشاركون عن جزيل الشكر والامتنان» أو «وكان ممتنّاً (بتشديد النون) لتلقيه المساعدة» وهم يقصدون الشكر، لكن هذا خطأ. ومنّ عليه: أحسن وأنعم، والاسم: المنّة (بكسر الميم). و«منّ عليه وامتنّ وتمنن» قرّعه بمنّة.
نأتي إلى كلمة «امتنان» وهي مصدر «امتن» وقلنا إن «امتنّ يمتنّ امتناناً» (ودائماً بتشديد النون) تعني «قرّعه بمنّة» فكيف استقام القول «خالص الشكر والامتنان»؟ ولو قالوا «بالغ الشكر والعرفان» لكان أفضل. و«العرفان» يعني العلم، أي إننا نشكر لكم صنيعكم، ونقرّ به، لأننا نعرفه.
• هذه ملاحظة نحوية إملائية، وهي تتصل بالفعل المهموز آخره (بدأ، قرأ، نشأ، ملأ) ويقع الإشكال عند كتابة هذه الأفعال وما يشبهها بصيغة الجمع، وثمة مذهبان في هذا، الأول: (قرأ وقرأوا، نشأ ونشأوا، بدأ وبدأوا) والمذهب الثاني هو الأصل، وهو أن نعمل الهمزة هنا معاملة الهمزة المتوسطة، ويكون هذا بالنطر إلى حركتها وحركة الحرف الذي قبلها، وكتابتها على ما يناسب أقوى الحركتين (بدأ يبدؤون، قرأ يقرؤون، ملأ يملؤون) والمذهب الأول هو الأكثر شيوعاً الآن «لسهولته وبعده عن إعمال العقل» كما يقول علّامة اللغة مصطفى الغلاييني.
• تفاصح أحدهم وادعى علماً ليس له فقال «كان من أثقف الحكام المستبدين» وتلاحظون أنه اشتق اسم تفضيل من الفعل ثقف ومنه المثقف والثقافة. وليس للتفضيل في العربية إلا صيغة واحدة «أفعل» ويصاغ من الفعل الثلاثي، لكن لهذا الفعل شروطاً لامجال لشرحها الآن، وفي هذه الحالة يؤتى بمصدر الفعل بعد أكثر أو أشد ونحوهما فنقول مثلاً: أشد احمراراً، أكثر بياضاً.
• وكتب أحدهم «وكان مذواقاً للموسيقى» و«مفعال» من صيغ مبالغة اسم الفاعل، ولها أحد عشر وزناً كلها سماعية، أشهرها «فعّال» مثل جبّار، وقـتّال، وبسّام، وجزّار، وسبّاح، وهكذا، وصيغة «مفعال» كمفضال (كثير الفضل) معطاء، مكثار، مزواج (كثير الزواج) وهكذا، وقوله» مذواق» غير مستساغ، وكان الأفضل له أن يقول «ذوّاقة» على وزن «فعّالة» وهو من أوزان مبالغة اسم الفاعل مثل علّامة، وفهّامة، ونسّابة (عالم بالأنساب).
• يخطئ كتاب كثيرون في التعامل مع أبيات شعر يوردونها في مقالاتهم، يهملون اسم الشاعر، وهذا حقه الأدبي، يغيرون في الكلمات فيقعون في أخطاء نحوية مما لا يعقل أن شاعراً قد وقع فيه، يوردون البيت دون تدقيق أو عودة إلى الديوان أو الكتب الجامعة، فيكسرون البيت عروضياً، ولا يعود القول شعراً، ووقع أحدهم في خطأ أبشع من هذا حين تحدث عن أغنية.
هذا الكاتب شاعر ومؤلف ومترجم ورسام (كما يدعي) وعمره الصحفي أكثر من نصف قرن. تحدث عن الأغنية المشهورة «يا ام العيون السود» وهي من أشهر أغنيات ناظم الغزالي، وبما أن الكاتب عراقي، فإن المتوقع منه أن يثبت الكلمات صحيحة أكثر من غيره، لكنه قال:
يا ام العيون السود ما أجوز أنا
خدك القِيمر أتريّق منه
(القِيمر: القشدة، واتريّق: أتناول طعام الفطور، وتلفظ القاف في الكلمتين جيماً مصرية)
وتلاحظون أنه كسر وزن (إيقاع) الشطر الثاني، وقال: أتريق منه، وكان عليه أن يكتبها «منا» وقال في الشطر الأول «ما أجوز أنا» وهي في الأغنية الأصلية «ما جوزن أنا»، والكلمتان بالمعنى نفسه «ما أتوب» ولكن «ما جوزن» بلغة الجنوب. أما خطؤه الذي كسر الإيقاع فهو أنه حذف كلمة من الشطر الثاني «خدك القيمر أنا اتريق منا» اقرؤوا الشطرين معاً وستلاحظون الفرق.
• قد لا يكون الخطأ نحوياً، أو يكون الخطأ النحوي جزءاً من صياغة ركيكة، لنقرأ هذه الجملة «منذ ولادتها فإن إسرائيل كانت محل دعم الولايات المتحدة» الخطأ النحوي هنا في كلمة «ولادتها» فالقاعدة أن الضمير المتصل «ـه، ـها، ـهما، ـهم، ـهن» يجب أن يعود على اسم ذكر قبله، فعلى ماذا يعود الضمير في «ولادتها» على إسرائيل التي جاءت بعد الضمير وليس قبله، وهذا تأثير الكتابة بأسلوب اللغة الإنجليزية، وكان يمكن للكاتب أن يتخلص من الخطأ والركاكة بالقول «كانت إسرائيل تتلقى منذ ولادتها دعم الولايات المتحدة».

بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
27/02/2018
2161