+ A
A -
كتب– أكرم الفرجابي
ناقش المتحدثون في الجلسة الرابعة، من البرنامج الحواري الرمضاني «وآمنهم من خوف»، الذي تنظمه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بمشاركة ثلة من علماء العالم الإسلامي، قضية القدس بعنوان: «القدس أمانة في أعناق المسلمين».
وقال فضيلة الداعية مال الله عبدالرحمن الجابر، مدير إدارة الدعوة والإرشاد الديني، بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إن للقدس مكانة جليلة في نفوس المسلمين عبر العصور، فقد ارتبطت في تاريخ الإسلام بحدث الإسراء والمعراج، وارتبطت بفتحها على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد نقلت مصادر غير المسلمين التاريخية تفاصيل العهدة العمرية وصورة العيش المشترك واحترام المقدسات التي عبر عنها خليفة المسلمين، وقد استمرت نفس الصورة من العيش المشترك في القدس طيلة حكم المسلمين لها، إلى أن خضعت للاحتلال الصليبي، وعادت لتعيش أبهى أيامها على عهد الناصر صلاح الدين الأيوبي، واستمرت مدينة سلام تهوي إليها أفئدة المسيحيين والمسلمين واليهود إلى أن اجتاحت جرافات الصهاينة حارة المغاربة في العاشر من يوليو 1967، ليدشن عهد غريب على أرض المحشر والمنشر، فيطال التهويد مدينة بيت المقدس وأكنافها، ويقع التنكيل بأهلها تحت أعين العالم، تُهدم بيوتهم، ويُمنعون من الصلاة في أقصاهم، ويُضَيَّق على شبيبتهم، لكن القدس تأبى الخضوع كما في تاريخها الطويل، وتبقى أمانة في أعناق المسلمين، وفي ضوء السياق أعلاه تعقد هذه الجلسة المباركة، آملين توصيف الوضع الحالي في القدس والأقصى، وما يتعين على المسلمين، وكيف تبقى قضية القدس والأقصى حية في نفوس الشباب المسلم.
منزلة رفيعة
ومن جهته أكد فضيلة الشيخ الدكتور عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا، وخطيب المسجد الأقصى المبارك، أن مدينة القدس هي المدينة التي رفع الله منزلتها، حيث ربطها بالسماء كما ربطها بمكة المكرمة وبالمدينة المنورة، قائلاً: هذه المدينة حينما نذكرها فإننا نعني فلسطين ونعني الأقصى، وحينما نذكر فلسطين فإننا نعني القدس والأقصى، وحينما نذكر الأقصى نعني فلسطين والقدس، فهذه كلمات ثلاث دلالاتها واحدة، فإن جميع الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة تدل على معنى واحد فأي لفظ نذكره فإننا نعني اللفظين الآخرين، وأوضح أن هذه المدينة مستهدفة من قبل أعداء الإسلام سابقاً ولاحقاً، فمن المعلوم أنها سقطت بيد الفرنجة الصليبيين في القرون الوسطى إلى أن حررها صلاح الدين الأيوبي عام 1181، وبالتالي فإن هذه المدينة التي تقع الآن تحت الاحتلال الإسرائيلي البغيض، مبيناً أنها تتعرض إلى التهويد، لأن هناك مخططاً استعمارياً خطيراً في تهويد المدينة، لإلغاء الصبغة الإسلامية عنها، ولكن نقول إن الله عز وجل، قد قرر من سبع سماوات بإسلامية هذه المدينة بمعجزة الإسراء والمعارج، حيث أعلن عن إسلاميتها روحياً وعقدياً وإيمانياً، ثم أعلن عنها سياسياً حينما جاء عمر بن الخطاب رضى الله عنه سنة 15هـ الموافق 636م، حيث استلم مفاتيح مدينة القدس، واصفاً موضوع التهويد بأنه أمر خطير جداً نعاني منه بشكل يومي.
وقال إن التهويد شمل الحجر والشجر والبشر، وهناك مخطط رهيب ومدعوم من قوى الكفر والاستعمار في أن تنزع عن هذه المدينة الصفة الدينية والإسلامية والحضارية، أما المسجد الأقصى فهو مستهدف، ولكنّ المرابطين والمرابطات لهم بالمرصاد، ولابد أن نوضح الفرق بين المقتحم والزائر الذي يأتي البيت بإذن صاحبه والمقتحم الذي يأتي بدون إذن صاحبه، فالمقتحم هو معتدٍ، وبالتالي فإن المعتدي لن يكسب أي حق في الأقصى رغم الاقتحامات المتعددة، مؤكداً أن الدفاع عن الأقصى هو دفاع عن العقيدة والإيمان، فالأقصى هو جزء من العقيدة لأنه مرتبط بمعجزة الإسراء والمعارج (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)، فالأقصى ليس ملكاً لأهل فلسطين بل هو لجميع المسلمين.
جسم الأمة
ومن جانبه قال فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إن التطبيع وإن كان لا يخص القدس ولا يخص حتى القضية الفلسطينية، وإنما هو اختراق لجسم الأمة كله عقلياً وثقافياً ونفسياً وحضارياً، ومع ذلك فإن قضية القدس كما نعلم هي قلب القضية الفلسطينية، وهي مثل الصخرة التي في المسجد الأقصى وفي بيت المقدس، فكذلك بيت المقدس كله ومدينة القدس كلها هي الصخرة الصلبة في القضية الفلسطينية، وهي القضية التي توحد المسلمين وهي القضية التي تجمع صمود المسلمين في كثير من القضايا.
ووصف قضية التطبيع بأنها نوع من أنواع المؤامرة الملتوية الصريحة لأنها تقول: أيها العرب أيها المسلمون أيها الفلسطينيون: انسوا الاعتداءات: انسوا هذا الاغتصاب، هؤلاء المغتصبون إخوانكم: هؤلاء المغتصبون ضيوف عندكم: هؤلاء المغتصبون يريدون التعايش معكم: وهذا كله تلبيس يعني تحويل المجرم إلى ضيف: وإلى متعايش: وإلى صديق: وإلى مسالم، وأضاف: لا.. الاغتصاب هو الاغتصاب، فالعلماء ومنهم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يجب أن يبينوا حقائق الكلمات وحقائق المعاني وحقائق الأحكام الشرعية، فالاغتصاب يجب أن يظل اغتصاباً، والعدوان يجب أن يسمى عدواناً، والمجرم يجب أن يسمى مجرماً، والقاتل سيظل قاتلاً إلى يوم القيامة.
مدى الانتماء
ومن ناحيته قال فضيلة الشيخ عبدالرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء الجزائريين وعضو أمانة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إن قضية القدس بالنسبة للمسلمين هي المقياس الذي يقاس به مدى الانتماء والالتزام بالقضية العادلة لفلسطين، فكل مسلم يجب أن يسأل نفسه إذا ما كان ما يقدمه لفلسطين والقدس وغزة، إذا ما كان كافٍ إزاء ما يقوم به العدو الصهيوني.
وأضاف: العدو الصهيوني يدير القضية بمخطط جهنمي له أضلاع، وهذه الأضلاع هي الضليع السياسي الدبلوماسي والحاخام الديني، والإعلامي، والمالي الاقتصادي، وهي الأضلاع التي يلتزم العدو الصهيوني بها، فأين الموقف السياسي الدبلوماسي من هذه القضية في بلاد المسلمين، وأين الموقف الإعلامي من هذه القضية، وأين موقف عالم الدين من القضية، وأين موقف الممول لنصرة هذه القضية؟ وهي أسئلة تلقى على ضمائرنا جميعاً، ويجب أن نتصدى لها بكل شجاعة، مؤكداً أن ما يقوم به الصامدون والصامدات في القدس يكشف عن عيوب وضعف في غيرهم من المسلمين، مشدداً على ضرورة حل العقبات التي تواجه المدافعين عن القدس.
وبدوره قال فضيلة الشيخ الدكتور عادل رفوش المشرف العام لمؤسسة ابن تاشفين للدراسات والأبحاث والإبداع ومدير رؤى للفكر والإعلام إن القدس لنا في المغرب خصوصيات عدة، لا نرتبط بها إنسانياً فقط إذ ندافع عن إخوان لنا مظلومين، ولا إسلامياً فقط إذ نذب عن حرمات المسلمين ومقدسات هذا الدين العظيم، بل لنا فيها أملاك ندافع عنها بواقع الغيرة على الأرض والعرض والمال، وتساءل فضيلته: من هذا الذي يبيح أن يدخل مغتصباً أرضه فينتهك عرضه ويأخذ ماله ومتاعه إلا أن يكون ميت القلب أو متبلد الإحساس إن لم نقل شيء أخطر من ذلك والعياذ بالله، مؤكداً أن هذا النوع من التسليم صرنا نرى الكثير من الناس عليه والعياذ بالله، لكن في المغرب منذ قديم ولنا في فلسطين أوقاف شهيرة أرخت بأسمائها ومساحاتها، وهوما يجعلك تميل إلى ممتلكاتك. وحول من أفتى بجواز زيارة القدس، قال رفوش إنه لا أحد يتكلم نيابة عن الأمة، أو يفتي نيابة عن الأمة، أو يفتي نيابة عن خواص الأمة من المقدسيين الذين يحملون عن الأمة هذا الفرض الكفائي ويرابطون ويزيلون عنا معرة الاستسلام والتطبيع الذي هو إبادة حضارية كما قال أحد المفكرين المغاربة، وفي هذا السياق تأتي هذه الفتاوى التي لا أدري بأي مناط فقهي تدرس، فمن نظر في فتاوى من أباحوا ما يسمى السياحة الإيجابية للقدس لن يجد لها تأصيلا فقهيا يعتمد عليه، مؤكداً أن من أفتوا بذلك ستجد لهم فتاوى أباحوا فيها ظهر الكعبة، ويمررون للتطبيع بالحجة والبرهان، وما إلى ذلك، مؤكداً أنه لا يمكن أن ندفع أموالنا لدعم اقتصاد الصهاينة تحت أي ذريعة، متسائلاً: هل نأخذ الصفوف أمام السفارات الإسرائيلية كي نأخذ خاتم الرضا لنمر إلى القدس؟ مؤكداً عدم صحة القول بجواز ذلك، لأنه لا يعدو سوى صك رضا، ودلالة على أن هذا المغتصب له أحقية أن يأمر وينهى على هذه الأرض.
المسجد الأقصى
وقال الشيخ الدكتور يحيى عبدالله رئيس فرع اتحاد علماء إفريقيا بتشاد إن منطلق العلماء في قضية المسجد الأقصى ينبني على تصور اسلامي راسخ، فالله سبحانه وتعالى قد ذكر في سورة الأنبياء من قوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ)، وتحدث عن 10 أنبياء ورسل، وختم بقوله سبحانه (إِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) ثم جاء في سورة المؤمنون: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) ثم ذكر سبحانه قصص كثيرة للأنبياء والمرسلين، وختم بقوله «وَإِنَّ هذه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ»، فهذه دلالة على وحدة الأمة، ووحدة في الدين وهو الإسلام، وأضاف: إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في المسجد الأقصى في رحلة الاسراء والمعراج، تمثل رمزية لوحدة الاسلام والانقياد لله رب العالمين، ووحدة الدين والتدين لله رب العالمين، ومنطلق العلماء إن قضية القدس هي قضية المسلمين أجمعين، فيقول ربنا (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مسجد الله شهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ).
وأوضح الدكتور محمد إلياس مروال، المشرف العام على معهد نوراني لتحفيظ القرآن الكريم بجاكرتا بجمهورية إندونيسيا، أن فلسطين والقدس والمسجد الأقصى لها مكانة عظيمة عند شعب إندونيسيا، والحكومة الإندونيسية تقدر موقف دولة فلسطين على اعترافهم باستقلال إندونيسيا عام 1945 م، فهذا الجميل لا تنساه إندونيسيا ومنذ ذلك التاريخ ليومنا هذا لن نجد أي سفارة إسرائيلية في إندونيسيا.
وأضاف أن الدستور الإندونيسي يرفض أي احتلال في العالم، كما أن احتلال إسرائيل لفلسطين جريمة فلذلك نرى عند إعلان الرئيس الأميركي بجعل القدس عاصمة لإسرائيل، خرج الشعب الإندونيسي بالملايين رفضاً واحتجاجاً على هذا القرار، والجواب البليغ الكلمة الذي ألقاها الرئيس الأول سوكارنو يقول إنه طالما فلسطين والقدس والمسجد الأقصى لم تنل استقلالها فالأمة الإندونيسية ستقف دوماً ضد إسرائيل.
copy short url   نسخ
15/05/2019
3259