+ A
A -
قال تحليل صادر عن بنك قطر الوطني (QNB) إن النمو القوي والمستمر في الطلب على الغاز الطبيعي المسال، ودوره في دعم الانتقال إلى نظام الطاقة منخفضة الكربون، هو ما يحفز خطط دولة قطر ممثلة في «قطر للبترول» لزيادة طاقتها الإنتاجية من الغاز الطبيعي المسال.
وأوضح البنك، في تحليله، أن هذه الزيادة في الطاقة الإنتاجية ستتطلب استثمارات ضخمة في كل من البر والبحر، بما في ذلك بناء أربع محطات ضخمة جديدة لمعالجة الغاز الطبيعي المسال، وستؤدي هذه الزيادة إلى تعزيز الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في قطر من 77 مليون طن سنويا في الوقت الحالي إلى 110 ملايين طن.
ووفقا للتحليل، فبالإضافة إلى التأثير المباشر على الناتج المحلي الإجمالي لقطاع النفط والغاز، فإن هذه المرحلة الاستثمارية القادمة، والتي من المفترض أن تبدأ من عام 2020 فصاعدا، ستولد تأثيرات مضاعفة وكبيرة على كافة قطاعات الاقتصاد، وستدعم خطط قطر لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال جهود حماية البيئة، كما أنه بالإضافة إلى تخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإن الغاز الطبيعي المسال يحتوي على انبعاثات جزيئية منخفضة، وانبعاثات منخفضة من أكسيد النيتروجين والكبريت، مما يجعله مصدر طاقة أنظف ولا يسبب الكثير من تلوث الهواء مقارنة مع غيره من أنواع الوقود الأحفوري الأخرى.
وأكد البنك أن مفهوم الاستدامة البيئية يستمر في اكتساب المزيد من الأهمية في القطاعين العام والخاص في دولة قطر، وقد شجع ذلك على تطوير مبادرات جديدة في العديد من الشركات المملوكة للدولة والخاصة، وباعتبارها دولة رئيسية مصدرة للوقود الأحفوري ومن بين أغنى الدول في العالم، تسعى قطر إلى المشاركة بشكل فعال من خلال تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة المحلية ووضع خطط للتكيف مع تغير المناخ.
واستعرض التحليل أهمية الغاز الطبيعي باعتباره أمرا أساسيا لتحقيق التحول لمصادر الطاقة منخفضة الكربون، لافتا إلى أن صناع السياسات يواجهون تحدياً صعباً يتمثل في تلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة مع السعي في نفس الوقت إلى تخفيض «انبعاثات» الغازات الدفيئة، ومبينا أنه لتحقيق ذلك بنجاح، ينبغي التحول إلى أنظمة طاقة منخفضة الكربون تعتمد بشكل أكبر على مصادر الطاقة المتجددة وبشكل أقل على حرق الوقود الأحفوري، مشيرا في هذا الإطار إلى أنه قد تم تحديد أهداف طموحة في اتفاق باريس لسنة 2016، ولكن لا نزال بعيدين عن تحقيق تلك الأهداف.
واستخدم البنك في تحليله سيناريو شركة BP (المعروفة سابقا باسم بريتيش بتروليوم وهي شركة بريطانية وتعتبر ثالث أكبر شركة نفط خاصة في العالم) للانتقال المتطور، لشرح وتوضيح العوامل الدافعة الرئيسية لتزايد الانبعاثات، لافتا إلى أن هذا السيناريو يفترض أن السياسات الحكومية والتكنولوجيا والاختيارات الاجتماعية لا تزال تتطور بنفس الطريقة والسرعة التي شهدناها في الماضي القريب.
وبحسب تقرير شركة BP، فإن التغير في الانبعاثات خلال الفترة من عام 2017 إلى عام 2040 سيعود إلى ثلاثة دوافع رئيسية وهي: النمو الاقتصادي (الناتج المحلي الإجمالي)، وكثافة استخدام الطاقة في الناتج المحلي الإجمالي، وكثافة انبعاثات الكربون في توليد الطاقة.
ووفقا للتوقعات سيزداد عدد سكان العالم بأكثر من 20 % حيث سيصلون إلى 9.2 مليار نسمة في عام 2040، وسيؤدي تزايد عدد السكان بالضرورة إلى زيادة الطلب على الطاقة، وهو ما سيؤدي بدوره إلى زيادة الانبعاثات، وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يرتفع متوسط دخل الفرد بشكل كبير، وعادة يزيد استهلاك الأشخاص للطاقة كلما زاد دخلهم، وسيؤدي التأثير المشترك لهذين العاملين إلى (ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأكثر من الضعف في عام 2040)، كما يعتبر تأثير النمو الاقتصادي على الانبعاثات واضحاً للغاية، فباستبعاد التغيرات المحتملة في كفاءة استخدام الطاقة، وفي حال بقاء العوامل الأخرى دون تغيير، سيؤدي النمو المضاعف في حجم الاقتصادات إلى مضاعفة الانبعاثات.
وأشار تحليل (QNB) إلى أنه من الممكن مبدئيا، تقليل الانبعاثات من خلال تقليص حجم الاقتصادات، لكن ذلك يتعارض في نفس الوقت مع الجهود الرامية إلى تقليل الفقر وتوفير فرص عمل للمليارات من الأشخاص في البلدان منخفضة الدخل، ولذلك يتعين البحث عن وسائل أذكى لتخفيض الانبعاثات.
ونوه إلى أن الطريقة الأخرى (الواردة في تقرير شركة BP) والتي يمكن من خلالها خفض الانبعاثات، هي تخفيض كثافة استخدام الطاقة في الاقتصادات، الذي يشار إليه أيضا بتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وهي وسيلة جيدة لتقليل الانبعاثات، حيث تؤدي العديد من الاستثمارات في كفاءة استخدام الطاقة إلى تقليل المصروفات بشكل كبير لدرجة أن هذه الاستثمارات تغطي تكاليفها بالكامل بعد فترة من الوقت.. ولحسن الحظ، فإن بعض أنواع الاستثمار في مجال كفاءة استخدام الطاقة تعتبر مغرية بما يكفي لاعتبارها مجدية بمفردها، فعلى سبيل المثال، يتم حاليا تزويد أغلب السيارات والمباني الجديدة بمصابيح LED.وأشار التحليل إلى أنه على الرغم من التأثير الإيجابي لهذه الخطوة، أحيانا لا يكون العائد لبعض الاستثمارات في مجال كفاءة استخدام الطاقة كافيا لتشجيع الأشخاص للاستثمار فيها بشكل مستقل نظرا لتكلفة رأس المال ومخاطر تطبيق تلك المشاريع.
ولفت البنك إلى أهمية الحاجة لتطبيق سياسات حكومية، بما في ذلك فرض اللوائح التنظيمية وتقديم الدعم، لتشجيع بعض الاستثمارات في مجال كفاءة استخدام الطاقة، فعلى سبيل المثال، تدعم الحكومة البريطانية تكاليف تركيب المواد العازلة في المنازل، وذلك يحسن كفاءة استخدام الطاقة بشكل كبير، لكن تكلفة تركيب تلك المواد مرتفعة جدا بالنسبة للأسر منخفضة الدخل ما لم تحصل على نوع من الدعم.. وعلى الرغم من التحسن المتواصل في مجال كفاءة استخدام الطاقة، إلا أنه لا يواكب تزايد الطلب على الطاقة، خاصة في الاقتصادات الناشئة والدول النامية، ولذلك يتعين أيضا البحث عن وسائل أخرى لتخفيض الانبعاثات.
وأوضح التحليل أن الطريقة الأخيرة (الواردة في تقرير شركة BP) تتمثل في تقليص الانبعاثات من خلال تقليص كثافة انبعاثات الكربون في عملية توليد الطاقة، والمثال الأكثر وضوحا على ذلك هو زيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة (طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة المائية، والطاقة الحرارية الأرضية)، ولطالما استخدمت مصادر الطاقة هذه في بعض التطبيقات المتخصصة، لكن الدعم القوي من السياسات خلال العقد الماضي إلى جانب التطور التكنولوجي قد ساعدا في خفض تكلفتها بشكل كبير، كما تعتبر الطاقة المتجددة حاليا تنافسية من حيث التكلفة مقارنة بإنتاج الكهرباء بواسطة الوقود الأحفوري في العديد من الظروف، فعلى سيبل المثال، تكلفة إنتاج الكهرباء باستخدام الألواح الشمسية قد تراجعت بنسبة 73 % منذ 2010.
ولفت إلى أنه بالفعل، أصبح هناك استخدام كثيف للطاقة المتجددة في كل من كاليفورنيا وألمانيا، بحيث يتم في الأيام المشمسة شديدة الرياح في الصيف إنتاج الكثير من الطاقة إلى حد يصبح معه سعر الكهرباء سلبيا، والسبب وراء تراجع السعر لمستوى سلبي هو أن هذا الإمداد الزائد من الطاقة يمكن أن يزعزع استقرار شبكة الكهرباء، وبالتالي تكون هناك حاجة لحث بعض الموردين على التوقف عن الإنتاج وتساعد ترقية شبكة الكهرباء مع زيادة سعة التخزين على تخفيف المشكلة خلال اليوم، وبعبارة أخرى، فإن التخزين يسمح باستخدام الطاقة الشمسية، التي يتم إنتاجها خلال النهار، في الليل عندما تغيب الشمس.
وأفاد التحليل بأنه إلى جانب ذلك يرتفع الطلب على الطاقة خلال فصل الشتاء أكثر من الصيف في أغلب البلدان المستهلكة للطاقة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية، لكن إنتاج مصادر الطاقة المتجددة، خصوصا الطاقة الشمسية، يكون أكثر في الصيف منه في الشتاء، وبالتالي، لا يزال الوقود الأحفوري مطلوبا من أجل موازنة الطلب على الطاقة كمكمل لمصادر الطاقة المتجددة.
واختتم بنك قطر الوطني تحليله بالتأكيد أنه بما أن الانبعاثات الناتجة عن إنتاج الكهرباء بالغاز الطبيعي تقــــل بنــــسبة تزيـــــد على 50 % عن حرق الفحم، لذلك، سيستفيد الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال من النمو القوي والمستمر في الطلب العالمي على الطاقة، على الرغم من التحول من استخدام الفحم.
copy short url   نسخ
19/05/2019
1793